عاجل

سائل : هل نيل أجر الجماعة يتحقق إذا صليت مع أصدقائي في البيت ؟

صلاة الجماعة
صلاة الجماعة

أداء الرجل المذكور بعضَ الصلوات المفروضة مع رفقائه في المَسكَن الذي يقيمون فيه هو أمرٌ تتحقق به صلاة الجماعة، وينالون بذلك أجرَها، ويحصلون عظيم ثوابها، إلا أن المستحب والأكمل ثوابًا والأتم أجرًا في حقهم أن تكون في المسجد؛ لِمَا في ذلك من مزيد خصوصية وفضائل زائدة مستقلة عن فضل ثواب الجماعة وحدها، والتي منها: إظهار شعيرة الجماعة بإقامتها في المسجد وإعماره، وبركةِ المكانِ وعلُوِّ شرفهِ، فضلًا عن أجرِ الخطوات إليه ذهابًا وإيابًا، والمكث فيه، وانتظار الصلاة، وصلاة الملائكة واستغفارهم للمصلي، وكثرة أعداد المصلين، وما كان أكثر فهو أحبُّ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وأقربُ إليه؛ فإن كان المصلي معذورًا في تركها لمرض ونحوه فإنه يحصل له ثوابها كاملًا ما دام معتادًا ومحافظًا على أدائها في المسجد حال السعة والاختيار.

بيان فضل صلاة الجماعة وأقل عدد تنعقد به


صلاة الفرض في جماعة شعيرةٌ من أعظم شعائر الإسلام، أمر بها ورغَّب في أدائها بمضاعفة المثوبة عليها وتعظيم أجرها عن صلاة المنفرد.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه، وفي روايةٍ: «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» أخرجها الإمام البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
قال الإمام أبو الحسن ابن بَطَّال في شرح صحيح الإمام البخاري: قوله: بسبعٍ وعشرين درجة، وخمسٍ وعشرين ضعفًا، وخمس وعشرين جزءًا، يدل على تضعيف ثواب المصلِّي في جماعة على ثواب المصلِّي وحده بهذه الأجزاء وهذه الأوصاف المذكورة.
ومن المقرر شرعًا أن الجماعة تنعقد صحيحةً في غير صلاة الجمعة والعيدين باجتماع اثنين فأكثر، سواء كان ذلك الانعقاد في المسجد أو في غيره كالبيت والسوق ونحوه، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» أخرجه الإمامان البخاري ومسلم من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
قال الإمام النووي في شرح صحيح الإمام مسلم: الجماعة تصح بإمام ومأموم، وهو إجماع المسلمين.

فضل صلاة الجماعة في المسجد

قد تقرر بأن الجماعة تنعقد صحيحةً وينال فضلها باجتماع واحد مع الإمام في مسجدٍ أو غيره، إلا أن أداءها في المسجد أتم وأكمل، وأكثر مثوبةً وأجرًا من أدائها في غيره من الأماكن في حق الرجال، وذلك لما فيه من مزيد خصوصية وفضائل مستقلة زائدة عن فضل الجماعة تزيد في الأجر وترفع من منزلة العبد عند ربه، ومن تلك الفضائل:

أولًا: بركة المسجد، وعلو شرفه، وكونه أحب البقاع إلى الله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۝ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور: 36-37].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا» أخرجه الإمام مسلم، وذلك لأنها بيوت خُصت بالذكر، وبُقَعٌ أُسست للتقوى والعمل الصالح.

ثانيًا: إعمار بيوت الرحمن في الأرض بإقامة الصلوات وذكر الله عز وجل بها، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: 18]، وعمارة المساجد تكون بلزومها وكثرة إتيانها، يقال: فلانٌ يَعْمرُ مجلسَ فلانٍ إذا كثر إتيانه إياه.
وهي من دلالات صدق إيمان العبد بربه وحُسن الظن به، قال الإمام القرطبي: قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ دليل على أن الشهادة لعمار المساجد بالإيمان صحيحة؛ لأن الله سبحانه ربطها بها، وأخبر عنه بملازمتها، وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يَعمُر المسجد فحَسِّنوا به الظن.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾» أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّ زُوَّارِي فِيهَا عُمَّارُهَا، فَطُوبَى لِعَبْدٍ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي، فَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ» أخرجه أبو داود والواقدي.

ثالثًا: إظهار شعيرة الجماعة وتحقيق مقصودها من الاجتماع لذكر الله وإقامة الصلاة وقراءة القرآن، في مكانٍ يسهل اجتماع الناس به، وتقوية الصلة الإيمانية بين المصلين، وتواصلهم، وتفقُّدِ بعضِهم حال بعض.

رابعًا: كثرة الخُطا إلى المساجد، وصلاة الملائكة عليه واستغفارهم للمصلي ما دام في انتظار الصلاة وعقب الفراغ منها.

فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ» متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ» متفق عليه.
ومقتضى الحديث أن صلاة الرجل في المسجد جماعة تفضلُ على صلاته في بيته وسوقه جماعة وفرادى بهذا القدر.
وعنه أيضًا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟»، قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» أخرجه الإمام مسلم.

خامسًا: زيادة أعداد المصلين؛ لأن المسجد في الأعم أكثر جمعًا وعددًا، وكلما زاد العدد زاد الفضل والثواب.
فعن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى» أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.

ثواب الصلاة في جماعة خارج المسجد أو منفردًا لعذر

مما يجدر التنبيه عليه أن تلك الفضائل والخصائص المذكورة في حق جماعة المسجد إنما تكون حيث لا عذر، أي حال الاختيار والسعة، بينما في حال العذر والاضطرار كالمرض ونحوه، فإن المصلي في جماعة خارج المسجد أو منفردًا حال الانفراد، يحصل له أجر جماعة المسجد كما كان حال التمكن والأداء؛ وذلك لما نص عليه الفقهاء مِن أنَّ مَن مُنِع عن العبادة بالعذر لا ينقص في الأجر ما دام معتادًا وممارسًا لتلك العبادة على وجهها ولم يمنعه عن أدائها إلا ذلك العذر.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ، كُتب مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» أخرجه الإمام البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ رَاحَ، فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا، أَعْطَاهُ اللهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا، أَوْ حَضَرَهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.
 

تم نسخ الرابط