عاجل

ما حكم إمامة الصبي المميز لأمه في الصلاة.. وهل يختلف الحكم في صلاة الفريضة؟

صلاة الصبي
صلاة الصبي

أشارت دار الإفتاء إلى ما ذهب  إليه جمهور الفقهاء من  عدم صحة إمامة المميز للبالغ في صلاة الفرض، وصحتها في صلاة النفل؛ لأن الفرض في حق الصبي نافلة.

أما الشافعية فيرون صحة إمامة المميز للبالغ في الفرض والنفل على السواء؛ لما ورد في حديث عمرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه: أنه كان يؤم قومه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو “ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ” رواه البخاري في “صحيحه”، وهو ما نميل إلى القول به.

وعليه: فلا حرج من أن يؤم الصبي ابن تسع سنين أمه في الصلاة؛ لأنه صار مميزًا.

لمن يعاني من بعض الأمراض..ما حكم صلاة الفريضة على الكرسي؟

على من ابتُلي بعذر يدفعه لأن يصلي جالسًا على الكرسي أن يبذل جهده في الإتيان بالصلاة على هيئتها الكاملة، وأن يراعيَ ما يستطيع أداءه من هيئتي الركوع والسجود؛ فإنَّ من استطاع أداء الركن على هيئته العليا المفروضة لم يكن له أن يعدل عنها إلى هيئة أقلَّ منها؛ فإذا لم يستطع الإنسان أن يسجد على الأرض فله أن يومئ بدلًا من السجود، سواءٌ في ذلك جلوسُه على الأرض أو على الكرسي.

أمَّا من كان جلوسُه على الكرسي يمنعه من السجود الذي كان يستطيعه لو جلس على الأرض، فإنه يجب عليه حينئذٍ أن يصلي جالسًا على الأرض لإتمام هيئة السجود، فإن كان جلوسه على الأرض يؤذيه ويضره فلا حرج عليه شرعًا أن يومئ للركوع والسجود وهو جالسٌ على الكرسي، كما ينبغي أن يُراعَى في ذلك استواءُ الصفوف بحيث يُجعَل لأصحاب الكراسي صفٌّ مستقل أو مواضعُ محددةٌ على طرفي الصف، وأن يكون حجم الكراسيِّ متناسبًا مع مساحة المسجد والمسافة بين الصفوف، مما لا يضيِّق على المصلين صلاتهم.

حكم صلاة الفريضة على الكرسي

القيام ركنٌ في صلاة الفريضة لمن يقدر عليه؛ لقوله تعالى: ﴿وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]. فإذا لم يستطع المصلي القيامَ أو شقَّ عليه مشقَّةً شديدةً جاز له الصلاة قاعدًا، وكذلك الحال في حقِّ الصحيح في صلاة النافلة مع نقص أجرها بالنسبة له، وسواءٌ جلس القاعد على الأرض أم جلس على شيء مرتفع عنها، فكل ذلك جائزٌ له شرعًا؛ إذْ إنَّ الشرعَ الشريف لم يفرِّق في هذا المقام بين الجلوس على الأرض والجلوسِ على شيءٍ مرتفعٍ عنها، والقعودُ في الصلاة لمن يُرَخَّصُ له فيه يستوي فيه الأمرانِ، ولم يَقُل بالتفريق بينهما أحدٌ من علماء المسلمين على مرِّ العصور والدهور.

والحديث المبيح للصلاة حال القعود -لمن له عذرٌ مطلقًا، أو لمن ليس له عذرٌ في صلاة النافلة- هو حديثٌ صحيح، أخرجه البخاري في “صحيحه” عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ».

فإباحة القعود للمُصَلِّي جاءت مطلقةً في الحديث النبوي الشريف، والمطلق يحتمل كل الأحوال والهيئات، فلا يجوز تخصيصه بحالٍ دون حال إلا بدليلٍ شرعيٍّ، والقعودُ في اللغة يكون عن قيام، وليس من ماهيته أن يكون على الأرض؛ قال العلامة اللغوي أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا في معجم “مقاييس اللغة” مادة جلس: إذا كان قائمًا كانت الحال التي تخالفها القعود.

ولفظ القَعود يستخدم وضعًا في لغة العرب اسمًا للمركوب عليه من الإبل على وجه التعيين، والجِلْسة عليه لا تختلف في هيئتها عن جِلْسة الكرسي؛ قال العلامة الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين مادة قعد: والقعدة ما يقتعده الرجل من الدواب للركوب خاصة، والقعود والقعودة من الإبل ما يقتعدها الراعي فيركبها ويحمل عليها زاده، ويجمع على القعدان.

ولقد أباح الشرع الشريف الصلاة بالقعود على الراحلة في نفس موضع إباحة صلاة القاعد، وهو التنفُّل مطلقًا، فهذا قعودٌ وهذا قعود، ولا فرق بينهما؛ فقد أخرج البخاري في “صحيحه” عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به.

وأخرج عن نافع قال: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي على راحلته ويوتر عليها، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعله.

وأخرج عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على الراحلة يسبح يومئ برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة.

وأخرج مسلم في “صحيحه” عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي على راحلته حيث توجهت به.

ونقل الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” قول ابن التين: قوله حيث توجهت به مفهومه أنه يجلس عليها على هيئته التي يركبها عليها، ويستقبل بوجهه ما استقبلته الراحلة.

وقال العلامة بدر الدين العيني في “شرح سنن أبي داود”: وقال صاحب “المحيط”: الصلاة على الراحلة أنواع ثلاثة: فريضة، وواجب، وتطوع، أما الفرض لا يجوز على الدابة إلا من ضرورة، وهو تعذر النزول لخوف زيادة مرض، أو خوف العدو والسبع، فيجوز أن يصلي على الراحلة خارج المصر إيماءً، ويجعل السجود أخفض من الركوع، وكذلك الصلاة الواجبة كصلاة الجنازة، والتطوع الذي وجب قضاؤه بالإفساد، وكالوتر عند أبي حنيفة، وكذلك الصلاة المنذورة، وأما التطوع فيجوز على الدابة خارج المصر مسافرًا كان أو مقيمًا، يومئ حيثما توجهت الدابة، ولا يمنعه نجاسة السرج والركابين، ونجاسة الدابة مطلقًا، وأما المصر فلا يجوز فيه عند أبي حنيفة، وعند محمد يجوز ويكره، وعند أبي يوسف يجوز ولا يكره، وبه قال أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي، وهو محكي عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

والهيئة التي يتحقق بها القعود هي قيام النصف الأعلى من الإنسان، فإن الفرق بين القيام والقعود في الصلاة أن القيام المطلق إنما يكون باستواء الشق الأعلى والأسفل، والشق الأعلى أصل؛ لأن الآدمي لا يعيش إلا به، والشق الأسفل تبع؛ لأنه يعيش بدونه، ولذا تكون صلاة التطوع مشروعةً عند قيام النصف الأعلى فقط وهو هيئة القعود، فإذا صلى الشخص قاعدًا فقد صلى؛ لتحقُّق قيام النصف الأعلى -كما في الصلاة على الراحلة- وهو الشرط، فأجزأه.

ولقد فهم العلماء هذا المعنى بداهةً؛ فإن وصف القعود صدق على المصلي القاعد على الراحلة كما صدق على المصلي القاعد على الأرض، وهو يصدق على المصلي القاعد على الكرسي.

ولذلك فإن كبار فقهاء المذاهب المتبوعة نصُّوا على إباحة القعود في الصلاة في مواضعه على أيِّة هيئةٍ كانت، ما دام قد تحقق القعود في أصله، وهو مذهب السادة الحنفية، وعلَّلوا ذلك بأنه لما جاز للمُصَلِّي تركُ أصل القيام فترك صفة القعود أولى، وبأن العذر يُسقط عنه الأركان، فلأن تسقط عنه الهيئات أولى.

قال العلامة شمس الأئمة السرخسي الحنفي في “المبسوط”: والمصلي قاعدًا تطوعًا أو فريضةً بعذر يتربع ويقعد كيف شاء من غير كراهة؛ إن شاء محتبيًا، وإن شاء متربعًا؛ لأنه لما جاز له تَرْكُ أصل القيام فَتَرْكُ صفة القعود أولى.
 

تم نسخ الرابط