عاجل

ما حكم الفضفضة للآخرين وهل تعد من الغيبة المنهي عنها شرعا؟

الغيبة
الغيبة

ضابط الغيبة المنهي عنها في الآية الكريمة هو ذكر المرء بما فيه مما يكره في دينه أو دنياه أو أهله أو غير ذلك مما يتعلق به؛ سواء كان ذلك باللفظ أو بالإشارة أو الرمز، وإذا ذكره بما ليس فيه كان بهتانًا؛ وهي محرمة شرعًا، أما حديث الإنسان مع غيره بما يضيق به صدره ويصعب عليه تحمله -وهو ما يسمى بالتنفيس عن النفس أو الفضفضة-؛ فلا يدخل في معنى الغيبة المحرمة ما دام أنه من قبيل الاستشارة المنضبطة لغرض إيجاد الحلول وطلب النصيحة.


المراد بالغيبة


الغيبة بالفتح مصدر غاب، يقال: غاب الشيء يغيب غيبًا وغيبة وغيابًا، أي: بَعُدَ.
والغيبة بالكسر أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه. فإن كان صدقًا سميت غيبة، وإن كان كذبًا سميت بهتانًا.
فالغيبة هي ذكر المرء بما فيه مما يكره في دينه أو دنياه أو أهله أو غير ذلك مما يتعلق به؛ سواء كان ذلك باللفظ أو بالإشارة أو الرمز، أما ذكره بما ليس فيه فيكون بهتانًا.
قال بعض العلماء: الحاصل أن الغيبة وهي ذكر الإنسان بما فيه مما يكره ولو في ماله أو ولده أو زوجه أو نحوها محرمة؛ سواء أذكره بلفظ أم كتابة أم إشارة بعين أو رأس أو يد أو نحوها.

بيان حرمة الغيبة والأدلة على ذلك


والأصل أن الغيبة محرمة بالقرآن والسنة والإجماع.

أما القرآن: فقوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾.
قال بعض المفسرين: حرَّم الله على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشيء كما حرَّم الميتة، وقال أيضًا في تفسير الآية الكريمة في خطابه تعالى للمؤمنين منزلًا الحسي منزلة المعنوي: أيحبّ أحدكم أيها القوم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته ميتًا، فإن لم تحبوا ذلك وكرهتموه، فكذلك لا تحبوا أن تغتابوه في حياته، فاكرهوا غيبته حيًّا كما كرهتم لحمه ميتًا؛ فإن الله حرَّم غيبته حيًّا، كما حرَّم أكل لحمه ميتًا.

وأما السنة: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«لما عرج بي ربي مررت بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاسٍ يخمشون وجوههم وصدورهم. فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«من أكل لحم أخيه في الدنيا، قُرِّبَ إليه يوم القيامة، فيقال له: كُله حيًّا كما أكلته ميتًا؛ فيأكله، ويكلح ويصيح».

وقال بعض العلماء: هذا الوعيد في هذه الأحاديث يدل على أن الغيبة من الكبائر.
وقد نقل العلماء الإجماع على تحريم الغيبة، وعدَّها بعضهم من الكبائر.

بيان ضابط الغيبة


ذكر العلماء أن ضابط الغيبة هو ذكر المرء بما يكره، ولا فرق في الغيبة بين أن تكون في غيبته أو بحضرته.
وقال بعضهم: الغيبة هي ذكر الغير بظهر الغيب، وأن تذكر الإنسان من خُلقه بسوء وإن كان فيه.
وقال آخرون: كما يحرم على المغتاب يحرم على السامع سماعها وإقرارها؛ فيلزم السامع نهيه إن لم يخف ضررًا، فإن خافه لزمه الإنكار بقلبه ومفارقة المجلس.

بيان العلماء للحالات التي تباح فيها الغيبة
مع أن الغيبة محرمة كما ذكرنا، إلا أن هناك حالات يُباح فيها للإنسان أن يذكر غيره بما فيه ولو بما يكره، وهي أكثر من أربعين موضعًا، وقد دقق العلماء فوجدوا أن غالبها يرجع إلى ست حالات، نظمها بعضهم في قوله:

الذَّمُّ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ *** مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرِ
وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ *** طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إِزَالَةِ مُنْكَرِ

وقد بين العلماء ذلك على النحو الآتي:


1. التظلم: فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى الجهات المختصة كالقضاء والأجهزة والمؤسسات الرقابية ونحو ذلك ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيذكر أن فلانًا ظلمني، ونحو ذلك مما يرفع به الظلم عن نفسه.
2. الاستفتاء: كما يقول السائل للمفتي: ظلمني فلان؛ فكيف طريقي في الخلاص؟ والأسلم أن يقول: ما قولك في رجل ظلمه رجل؟ وإن كان التعيين مباحًا.
3. تحذير المسلمين من الشر: وذلك من وجوه، منها تجريح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، وهو جائز بالإجماع؛ بل واجب صونًا للشريعة، وكذلك المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو مجاورته.
4. أن يكون الشخص مجاهرًا بالمعصية: كشرب الخمر على الملأ، ويتظاهر بذلك، بحيث لا يعترض أن يُذكر له، فإذا ذكرت فيه ما يتظاهر به تحذيرًا منه أو رغبة في منعه؛ فلا إثم في ذلك.
5. التعريف: فإذا كان الإنسان معروفًا بلقبٍ كالأعمش أو الأعرج أو الأزرق أو القصير أو الأعمى أو الأقطع ونحوها؛ جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقيصًا، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى.
6. الاستعانة على تغيير المنكر: ورد العاصي إلى الصواب وفق الإجراءات القانونية، بشرط أن يكون المنكر متفقًا عليه بين العلماء أنه منكر؛ لأن القاعدة تقول: “لا يُنكر المختلف فيه وإنما يُنكر المجمع عليه”، ويكون القصد التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا.

حكم الفضفضة


وأما حديث الإنسان مع غيره بما يضيق به صدره ويصعب عليه تحمله، وهو ما يسمى بالتنفيس عن النفس أو “الفضفضة”، فلا يدخل في معنى الغيبة المحرمة إذا كان من قبيل الاستشارة لإيجاد الحلول من أهلها، وإلا فلا ينبغي، ويكون ممنوعًا حينئذٍ.
فقول الإنسان: فلان ظلمني أو آذاني أو غير ذلك، قائم مقام قوله: ماذا أفعل؟ أو كيف أتصرف؟
وكل هذا جائز شرعًا، بشرط أن يقتصر على ما يحقق المطلوب ولا يتعدى فيقع في دائرة اللغو الذي لا فائدة منه.
واللغو هو ما لا يحتاج إليه في الكلام، أو ما لا خير فيه، وهو ليس قاصرًا على الأقوال فقط، بل في الأفعال أيضًا.

وقد تحدث العلماء عن حقيقة اللغو فقالوا: هو كل ما كان حرامًا أو مكروهًا أو مباحًا لا حاجة إليه، والإنسان وإن كان بكلامه هذا يُنفِّس عن نفسه، فإنه لن ينتفع بشيء منه، لأنه مع كونه لغوًا فهو مضيعة للوقت الذي هو مسؤول عنه يوم القيامة.

وقال بعض العلماء: حد الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكتَّ عنه لم تأثم ولم تستفد به في حالٍ ولا مالٍ، ومثاله أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك، وما رأيت من جبال وأنهار ووقائع وأطعمة وثياب، وما تعجبت منه من أحوال الناس؛ فهذه أمور لو سكتَّ عنها لم تأثم لكنها تضيع وقتك، وقد تجر إلى التفاخر أو الغيبة من حيث لا تشعر.

تم نسخ الرابط