قولوا لأمي ابنك مات راجل .. عمر القاضي «عريس العيد»

في صباح يوم عيد الفطر المبارك، يوم 5 يونيو 2019، بينما كانت المساجد تكتظ بالمصلين، والأسر تتهيأ للاحتفال، كان هناك بطل شاب يقف على خط النار، حاملًا سلاحه في مواجهة الإرهاب، غير عابئ بالخطر الذي يحيط به، إنه البطل الشهيد عمر القاضي، الذي وهب حياته للوطن، مسطرا بدمائه قصة بطولة ستظل محفورة في ذاكرة المصريين.

كمين "بطل 14".. صمود حتى الشهادة
في قلب شمال سيناء، حيث يقع الارتكاز الأمني المعروف بـ"بطل 14"، كان عمر القاضي ورفاقه من رجال الشرطة في مرابطتهم المعتادة، حين باغتتهم يد الغدر في لحظة احتفال الأمة بعيدها، مع تكبيرات العيد، بدأ الإرهابيون هجومهم الغادر، ظنّين أنهم سيتمكنون من إسكات صوت الحق، لكنهم لم يدركوا أنهم يواجهون رجالًا أقسموا على حماية الوطن حتى آخر قطرة دم في عروقهم.
لم يتردد عمر القاضي لحظة، رفع سلاحه وواجه العدو بشجاعة نادرة، يقاتل جنبًا إلى جنب مع زملائه الأبطال، الذين أبَوا أن يتركوا مواقعهم رغم كثافة النيران نجحوا في إسقاط عدد من الإرهابيين، ولكن كفة الأعداء كانت راجحة، وسقط الجنود واحدًا تلو الآخر، حتى بقي القاضي وحيدًا يواجه الموت لم يرتجف، لم يتراجع، بل ظل يقاتل حتى آخر نفس، ليصعد روحه الطاهرة إلى السماء شهيدًا، متوجا بلقب "عريس العيد"، وهو يدافع عن الأرض والعِرض.
قولوا لأمي ابنك مات راجل
لم تكن شجاعة عمر القاضي في ساحة القتال فقط، بل كانت في كلماته أيضًا في لحظات المواجهة الأخيرة، وحين أيقن أن الكمين محاصر وأن العدو لن يتوقف، وجه رسالة صادقة ومؤثرة، قائلاً:" قولوا لأمي ابنك مات راجل".

لم تكن مجرد كلمات، بل كانت وصية بطل، رسالة عز وفخر، شهادة موثقة بدمائه الطاهرة ولم يكتف بذلك، بل طلب من زميله أن "يدك الكمين"، أي أن يقصف الموقع بالكامل لضمان القضاء على أكبر عدد ممكن من الإرهابيين، حتى لا ينجو أحد ممن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء.
رسالة البطل لشقيقه.. وشرف الشهادة
كان عمر القاضي ابن محافظة المنوفية، الأصغر بين أشقائه، تخرج من كلية الشرطة عام 2017، والتحق بالخدمة في سيناء، حيث كان يعلم جيدًا أن الطريق محفوف بالمخاطر، لكنه اختار المضي فيه، دفاعًا عن وطنه وعلى الرغم من صغر سنه حيث كان في الرابعة والعشرين إلا أنه استطاع خلال المعركة أن يقضي على أربعة إرهابيين قبل أن ينال شرف الشهادة.
ترك عمر القاضي رسالة أخيرة لشقيقه الأكبر، وكأنه كان يشعر بأن رحلته في الدنيا قصيرة، لكن صداها ظل يتردد في قلوب الشباب، الذين سمعوا كلماته واستلهموا منها معنى الرجولة والتضحية ونتيجة لذلك، دفع العديد منهم إلى الالتحاق بكليتي الحربية والشرطة، مستلهمين من القاضي ورفاقه قدوة يحتذى بها في حب الوطن.

بطل لا ينسى .. وذكرى خالدة
رحل عمر القاضي عن الدنيا، لكنه لم يرحل عن قلوب المصريين، فقد أصبح اسمه رمزًا للشجاعة، وصورته محفورة في ذاكرة كل من سمع قصته "عريس العيد" لم يحتفل بالعيد مع أسرته، بل احتفل به في جنات الخلد، حيث ينال ما وعده الله به من النعيم، جزاءً لما قدّم من تضحيات.
سيظل اسم عمر القاضي شاهدا على بطولات رجال الشرطة والقوات المسلحة، الذين لا يترددون في تقديم أرواحهم فداء لهذا الوطن، حتى ينعم كل مصري بالأمن والسلام رحم الله الشهيد، وأسكنه فسيح جناته، وخلد ذكراه في قلوب الأجيال القادمة.