هل يأثم الأب أو الأم.. ما حكم الشرع في التفرقة بين الأبناء في العطية؟

أوضح الدكتورة روحية مصطفى الأستاذ بجامعة الأزهر حكم التسوية بين الأولاد في العطية، وقالت: إذا أراد الوالد أن يهب أحد أولاده شيئا فالمستحب أن يعمهم، وأن يساوي بينهم ذكورا وإناثا، ولكن إذا فاضل الأب بين أولاده بأن وهب بعضهم دون بعض، صحت الهبة ولا يأثم الوالد لتركه التسوية ما لم يقصد الإضرار، ولكن يُكره له ذلك لمخالفته إرشاد السنة المطهرة خاصة عند استواء الحال في الأولاد ، وبهذا قال جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية.
ما حكم الشرع في التفرقة بين الأبناء في العطية؟
قال النووي : " ينبغي للوالد أن يعدل بين أولاده في العطية، فإن لم يعدل، فقد فعل مكروها، لكن تصح الهبة . والأولى في هذا الحال، أن يعطي الآخرين ما يحبه العدل ..... ، وإذا وهبت الأم لأولادها، فهي كالأب في العدل بينهم في كل ما ذكرناه، وكذلك الجد والجدة ، وكذا الابن إذا وهب لوالديه . قال الدارمي : فإن فضل فليفضل الأم".
وقد استدل جمهور الفقهاء على أن التسوية بين الأولاد في العطية على الاستحباب لا الإيجاب وأن المفاضلة لا تحرم بالسنة والقياس، والأثر .
ماذا قالت السنة النبوية عن التفرقة بين الأبناء في العطية؟
1- ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت البنات". البيهقي في السنن الكبرى بإسناد حسن .
ففي هذا الحديث الشريف أمر توجيه وإرشاد وندب واستحباب من رسولنا الكريم إلى أمته بالتسوية بين الأولاد في العطية وهي الأولى لذا قُدمت في النص ، ثم بين صلوات ربي وسلامه عليه أنه لو سلك في العطية مسلك التفضيل لفضل البنات على البنين ، علاجا لعادة الناس من تفضيل البنين على البنات ، وفي هذا دليل على جواز التفضيل في العطية وإلا لما أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق البنات ، ولذا لو فضل الوالد بعض أولاده بشيء لا يأثم وتصح العطية ولكنها خلاف الأولى .
2- عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نحلت ابني هذا غلاما ، فقال : " أكل ولدك نحلت مثله " ؟ قال : لا، قال: " فارجعه " متفق عليه
ففي هذا الحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم والد النعمان بن بشير بالرجوع في العطية لأحد أولاده ؛ لأنه لم ينهج منهج التسوية بينهم في العطاء وهذا الأمر محمول على الندب والاستحباب ومراعاة الأولى .
قال العمراني في البيان: قوله صلى الله عليه وسلم : " فارجعه " فلولا أن الهبة قد صحت لما أمره بالرجعة .
3- أن النعمان بن بشير جاء أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : إني نحلت ابني هذا غلاما ، فقال له : " أكل ولدك له نحلة مثل هذا " ؟ قال : لا، قال : " فاردده وفي رواية : " أشهد على هذا غيري " .وفي رواية : " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ، أليس يسرك أن يكونوا في البر سواء ؟ قال بلى ، قال : " فلا ، إذا "
ففي هذا الحديث الشريف برواياته المتعددة دليل واضح على أن التسوية بين الأولاد في العطية مستحبة غير واجبه ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : " أشهد على هذا غيري " ولو كانت المفاضلة لا تصح لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما طلب إشهاد غيره عليها ؛ لأن مالا يجوز لرسول الله أن يشهد عليه لا يجوز لغيره أن يشهد فيه .
قال العمراني : "فلو لم تصح الهبة ..لما أمره بأن يُشهد عليه غيره ، وإنما امتنع من أن يشهد على ذلك ؛ لئلا يصير ذلك سنة " .
وقال الحافظ بن حجر : " أن قوله " أشهد على هذا غيري " إذن بالإشهاد على ذلك ، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام، وكأنه قال لأ أشهد لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم "
وقال الترمذي : العمل على هذا عند بعض أهل العلم يستحبون التسوية بين الولد، حتى قال بعضهم: "يسوي بين ولده حتى في القبلة".
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "أليس يسرك أن يكونوا في البر سواء ؟" فلأنه يقع في نفس المفضول مايمنعه من بره ولأن الأقارب ينفس بعضها بعضا ملا ينفس العدى، فإن فضل بعضهم بعطية صحت، ذكره الشافعي.
وتكون المفاضلة عند الجمهورغير مكروهة إذا كان للأب سبب يدعو إليها كأن يكون أحد أولاده فقيرا أو مريضا ، أو كثير الأولاد مع ضيق ذات اليد أو به علة فهنا يجوز للأب بلا كراهة تفضيل بعض الأولاد على بعض
ومن القياس: انعقد الإجماع على جواز عطية الرجل من ماله لغير ولده ، فإن جاز له أن يخرج جميع ولده من بعض ماله جاز له أن يُخرج عن ذلك بعضهم ، ذكره ابن عبد البر .
أما من الأثر، فقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه : " نحل عائشة جداد عشرين وثقا من ماله دون سائر أولاده ". الموطأ بإسناد صحيح، وروي أن عمر رضي الله عنه نحل ابنه عاصما دون عبد الله وعبيد الله وزيد وكذلك روي عن عبد الرحمن بن عوف. ولا مخالف لهم. ففي هذه الآثار دليل ظاهر على أن التسوية بين الأولاد في العطية على الاختيار لا على الإيجاب، ولو كانت المفاضلة لا تصح لما أقدم عليها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان عندهم نص صريح في حرمة المفاضلة لماخالفوها وهم أحرص الناس على اجتناب محارم الله تعالى.
قال الحافظ في الفتح : " عمل الخليفتين أبي بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب "
وشددت أن التسوية بين الأولاد في العطية مستحبه لما تورثه من الود بين الأبناء والبر بالوالدين ، وتُكره المفاضلة خاصة عند استواء الحال بين الأولاد في الاستحقاق سدا لذريعة الشقاق والعقوق ، وتحرم المفاضلة إذا كان للوالد سببًا غير مشروع فيها كأن يريد بها حرمان أحد من الميراث أو تقليل نصيبه منه بعد الوفاه ، وماورد من نصوص يفهم من ظاهرها النهي فهو محمول على التنزيه ، ولو خص أحد الأولاد بعطية دون علم الباقين كان عندي أولى حفاظا على قلوبهم، وإن كانت المفاضلة في شيء معلوم لهم جميعا فالأولى تحصيل رضاهم؛ لأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما نحل السيدة عائشة رضي الله عنها نحلة ذكر الحافظ بن حجر عن عروة أن إخوتها كانوا راضين بذلك، وهذا أولى لتحصيل الوئام ووأد دابر الخصام والعقوق.
أما عن طريقة استحباب التسوية بينهم فله واحد من أمرين نص عليهما الفقهاء الأربعة، إما أن يساوي بين الذكور والإناث كما قال الحنفية والشافعية والمالكية، أوأن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين جريًا على قواعد التوريث اقتداء بقسمة الله تعالى ، وقياسا لحالة الحياة على حالة الوفاه كما قال أحمد وإسحاق.