عاجل

ما معنى الصلاة في قوله تعالى: (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)؟

الصلاة على النبي
الصلاة على النبي

المراد بقول الله تعالى ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ ليس مطلق الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأي دعاء، وإنما هو معنًى مخصوصٌ يظهر في السؤال والطلب من الله تعالى أن يتولى الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، كـقولنا: “اللهم صلِّ على سيدنا محمد” أو “صلَّى الله على سيدنا محمد” أو ما يُشبه ذلك؛ تعظيمًا لشأنه، وقضاءً لحقه، ووفاءً بمكافأته، وزيادةً في صلاة المولى الكريم عليه، فهي دائمة بدوام مُلك الله.

بيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

تقع “الصلاة” على معانٍ متعددة، فهي من قبيل المشترك، ولقد نُقِلَ الاصطلاح الشرعي لكلمة “الصلاة” من معناها اللغوي وهو الدعاء، وجُعلت بمعنًى لم يكن الاسم موضوعًا له في اللغة، وهو معنى الصلاة المعروفة لنا، وهي “أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومنتهية بالتسليم”.

قال الإمام العمراني في البيان : [الصلاة في اللغة: عبارة عن الدعاء، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 103]؛ أي: ادعُ لهم.. وأما في الشرع: فقد نُقل هذا الاسم إلى أقوال وأفعال مخصوصة، وهي: التكبير، والقراءة، والركوع، والسجود، والتشهد، وغير ذلك. فإذا وردت الصلاة في الشرع فإنما تنصرف إلى الصلاة الشرعية دون اللغوية] .

وقد نُقل هذا الاسم في “الصلاة على النبي” -وهي مسألتنا- فصار لها معنى غير هذا وذاك، وهو المراد شرعًا في كيفية الصلاة على النبي المتعلق بها الحكم في قوله: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾، المنزَّل في الآية الكريمة التي قال الله تعالى فيها:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

ولما نزلت هذه الآية الكريمة توقّف الصحابة رضي الله عنهم في فهم المراد من الأمر الإلهي بالصلاة على النبي؛ لأنه صار بمنزلة المجمل الذي يحتاج إلى بيان، كهَل لذلك صفة تختص به؟ وما الصيغة التي تليق؟ وذلك لأن الدعاء يكون بألفاظ متعددة وعلى كيفيات مختلفة وصفات متنوعة.

فتوجهوا بالسؤال إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعلمهم أن المشروع في ذلك صفة مخصوصة، وهي أن يطلب العبد من مولاه عزَّ وجلَّ أن يتولى الصلاة على نبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنَّ الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نُصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»
(متفق عليه).

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/155): [واخْتُلف في المراد بقولهم “كيف”، فقيل: المراد السؤال عن معنى الصلاة المأمور بها بأيِّ لفظٍ تؤدَّى، وقيل: عن صفتها، وهو الأظهر؛ لأن لفظ “كيف” ظاهر في الصفة…] .

فظهر بذلك أن الصلاة على النبي المأمور بها المسلم المراد بها أن يسأل الله تعالى ويطلب منه أن يُصلي عليه، ومعنى قول المسلم “اللهم صلِّ على محمد” هو:
[اللهم عظم محمدًا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإيتاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجراء أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كلمة النبيين في اليوم المشهود] كما قال الإمام الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان (2/134).

 أقوال العلماء في المراد بصفة الصلاة على النبي المأمور بها


تضافرت نصوص العلماء على أن المراد بها السؤال والطلب من الله تعالى أن يتولى الصلاة عليه.

وقال ابن القيم في جلاء الأفهام ): [الصلاة المأمور بها فيها هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته.. فهي تتضمن الخبر والطلب] .

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : [وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى، والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة] .

سبب إطلاق “الصلاة” على سؤال الله تعالى أن يُصلي عليه

قال ابن القيم في جلاء الأفهام (ص162): [أحدهما: أنه يتضمن ثناء المصلي عليه والإشادة بذكر شرفه وفضله…
والوجه الثاني: أن ذلك سُمي منا صلاةً لسؤالنا من الله أن يصلي عليه، فصلاة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به].

 ما في طلب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من معانٍ وحكم

1. تحقق الفعل الإلهي وأثره على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعناية والمغفرة.
2. تعظيم المكافأة وديمومتها بتفويض الأمر لله تعالى في تعظيم نبيه.
3. كون الصلاة على النبي عملًا مقبولًا غير مردود بخلاف سائر الدعاء.
4. قصد الإيفاء بحقه صلى الله عليه وآله وسلم وابتغاء مرضاة الله.

قال الإمام الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان (2/134):
[الصلاة عليه مما يُقصد به قضاء حقه ويتقرّب بإكبارها إلى الله عز وجل… ويبيّن بذلك أن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً… وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾، فجاءه ابن أبي أوفى بصدقة فقال: “اللهم صلِّ على ابن أبي أوفى”، فكانت دعاءه له بالصلاة عليه].

تم نسخ الرابط