«لَا بَأْسَ طَهُورٌ إن شاء الله».. ما فضل وآداب زيارة المريض؟

أكدت دار الإفتاء أن زيارة المريض لها فضل عظيم، فيكفي أنها سبب من أسباب دخول الجنة،
أهم الآداب التي تجب مراعاتها عند الزيارة:
• الحرص على بَعْثِ التفاؤل والأمل في نفس المريض؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال: «لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».
• اختيار أطيب الكلام، وألينه، وأحسنه؛ فقد قال الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83].
• عدم إطالة الجلوس بما يؤذيه أو أهله.
• الدعاء له بالشفاء؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ».
• اختيار الوقت الذي يناسب المريض، وأن يستر ما يراه مما لا يحب المريض أن ينتشر عنه بين الناس.
• أن يختم مجلسه بما يبقى أثره في نفسه؛ بأن يؤكد له أن الله سيفرِّج عنه ويَمُدُّ له في أجله؛ تطييبًا لنفسه وجبرًا لخاطره.
وخلاصة هذه الآداب في الجملة أن يحرص على كل ما يَسُرُّه، ويبتعد عن كل ما يسوءُه.
فضل زيارة المريض
لما كان المريض في حاجة ماسَّة إلى من يواسيه ويخفف عنه ما يسببه المرض من ضيق وكرب نتيجة الألم أو غيره مما يؤثر على حالته، فقد أمر الإسلام أتباعه أن يعودوا مرضاهم؛ لما في ذلك من نفع عظيم له؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ الأسير» رواه البخاري.
وقد بيَّن العلماء أن الغرض من الأمر بزيارة المريض هو التخفيف عنه؛ إذ لا يخفى ما في جلوس الناس مع المريض -سواء كانوا من أهله أو من زائريه- من تسليته، والتخفيف عنه، ومساعدته على نسيان آلامه وأوجاعه، وتذكيره بحمد الله تعالى وشكره؛ وفي ذلك كله تحقيق لمبدأ المواساة والتآخي والتآلف بين الناس، الذي شرعت الزيارة لأجله.
قال الإمام المناوي في “فيض القدير” في شرح حديث أبي موسى السابق نقلًا عن “مطامح الأفهام”: هذه مصلحة كلية، ومواساة عامة لا يقوم نظام الدنيا والآخرة إلا بها.
أما عن فضل زيارة المريض: فقد بينت الشريعة الإسلامية أن فضلها عظيم، وخيرها عميم؛ فهي سبب من أسباب دخول الجنة؛ لأنها من أعظم الأعمال وأجلِّها؛ فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا» رواه الترمذي -واللفظ له- وابن ماجه في “سننيهما”.
وجاء عن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ» رواه مسلم.
والخُرْفَة ما يُخترف؛ أي: يُجتنى من النخل حين يُدرك ثمره؛ فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يشبه ما يفوز به من يعود المريض من الأجر والثواب بما يحصل عليه المُخترف من الثمر، فعائد المريض ينال هذا الفضل العظيم والخير الكثير؛ لأن تلك العبادة من أفضل الأمور وأحبها عند الله سبحانه وتعالى؛ لما فيها من إدخال السرور على المريض وعلى أهله.
قال العلامة ملا علي القاري في “مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”: وتبوأت من الجنة منزلًا؛ أي: هيئت منها بهذه العيادة منزلة عظيمة ومرتبة جسيمة، فإن إدخال السرور في قلب المؤمن أفضل من عبادة الثقلين، لا سيما والعيادة فرض كفاية، وفيها موعظة وعبرة وتذكرة، وتنبيه على استغنام الصحة والحياة ورفع الهموم الزائدة.
الآداب الشرعية التي ينبغي أن تراعى عند زيارة المريض
أما عن الآداب الشرعية التي ينبغي أن تراعى عند زيارة المرضى، والتي نطقت بها نصوص الشريعة الإسلامية فإنها تبين مدى الاهتمام البالغ من الشرع الشريف بالمريض وزيارته، وتظهر حرص الشريعة على أدق التفاصيل، والتي منها: أهمية القيام بالزيارة على نحوٍ تؤتي من خلاله هذه الزيارة ثمارها، ويتحقق المرجو منها؛ ولذا فقد وضع الإسلام مجموعة من الآداب التي تُرجى بمراعاتها تسلية المريض، والتخفيف عنه، وإدخال السرور على قلبه؛ بما يُحقق المقصود الشرعي من الزيارة، ومن أهم هذه الآداب ما يلي:
ــ الحرص على ابتداء المجلس معه ببث التفاؤل والأمل في نفسه؛ بحيث يكون كلام الزائر مطمئنًا للمريض مسليًا له، كأن يقول له: يطوِّل الله عمرك، لا بأس طهور إن شاء الله، ويشفيك الله، ونحو ذلك، مؤكدًا أن الله تعالى سيفرج عنه ويمد له في أجله؛ تطييبًا لنفسه وجبرًا لخاطره؛ كما كان هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال: «لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» رواه البخاري.
قال الإمام ابن بطال في “شرح صحيح البخاري” شارحًا هذا الحديث: فيه أن السنة أن يخاطب العليل بما يسليه من ألمه، ويغبطه بأسقامه بتذكيره بالكفارة لذنوبه وتطهيره من آثامه ويُطمعه بالإقالة -الشفاء- بقوله: لا بأس عليك مما تجده، بل يكفر الله به ذنوبك، ثم يفرج عنك فيجمع لك الأجر والعافية.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَهُوَ يُطَيِّبُ نَفْسَ الْمَرِيضِ» أخرجه الترمذي وابن ماجه في “سننيهما”، وابن أبي شيبه في “مصنفه”، والطبراني في “الدعاء”، والبيهقي في “شعب الإيمان”، وابن السني في “عمل اليوم والليلة”.
قال الإمام ابن المَلَك الكرماني في “شرح مصابيح السنة”: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا»؛ أي: وسعوا. «لَهُ فِي أَجَلِهِ» بأن يقول: يطوِّل الله عمرك، لا بأس طهور إن شاء الله، ويشفيك الله، ونحو ذلك. «فَإِنَّ ذَلِكَ»؛ أي: تنفيسكم له. «لَا يَرُدُّ شَيْئًا» من قضاء الله وقدره؛ يعني: الموت. «يُطَيِّبُ نَفْسَه» فيخفف ما يجده من الكرب.
وقد بوب الإمام النووي على هذا الحديث في “الأذكار”: باب استحباب تطييب نفس المريض، والإمام ابن قيم الجوزية في “الطب النبوي”: فصل في هديه صلى الله عليه وآله وسلم في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم.
ــ أن يتخير في وجوده أطيب الكلام، وألينه، وأحسنه؛ قال الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]؛ فهذه الآية تدل على أن الشرع يدعو الناس إلى القول الحسن المنزه عن كل أذى والمشتمل على اللين والطيب من الكلام بصفة عامة، مريضًا كان الإنسان أو صحيحًا، ولا ريب أن ذلك في حق المريض أحق وأولى.
قال الحافظ ابن كثير في “تفسيره”: وقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾؛ أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا.
ومن هذا القبيل ألا يُظهر الضجر والأذى مما يرى من سوء حال صاحب المرض؛ حتى لا يرجع ذلك بالسلب على صاحب المرض؛ فتكون الزيارة مصدر أذى وضرر؛ وهو منافٍ للقول والفعل الحسن المأمور به شرعًا.
ــ ألا يطيل الجلوس عنده حتى يضجر المريض، أو يتأذى، أو يُسبب ذلك مشقةً على أهله، إلا إذا اقتضت ضرورة كتطبيب ونحو ذلك؛ فهذا لا بأس به.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” في سياق الكلام عن زيارة المريض: ومن آدابها ألا يطيل الجلوس حتى يضجر المريض أو يشق على أهله، فإن اقتضت ذلك ضرورة فلا بأس.
ــ أن يدعو للمريض بالشفاء؛ فإن الدعاء له أرجى للإجابة؛ فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ» رواه أبو داود والترمذي في “سننيهما”، والإمام أحمد في “مسنده”.
ــ أن يتخير الزائر الوقت الذي يناسب المريض؛ حتى لا يُثقل عليه أو على أهل بيته؛ فقد جاء عن الإمام الشعبي أنه قال: “عيادة حمقى القراء أشد على أهل المريض من مريضهم، يجيئون في غير حين عيادة ويطلبون الجلوس” أخرجه الإمام البيهقي في “شعب الإيمان”، وأورده ابن عبد البر في “التمهيد”.
ــ أن يستر ما يراه مما لا يحب المريض أن ينتشر عنه بين الناس؛ فيدخل على المريض للزيارة لا لغيرها من تحسس الأخبار، والاطلاع على عورات البيت، أو غير ذلك مما يسبب أدنى أنواع الأذى؛ فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» رواه الترمذي في “سننه” واللفظ له، وابن حبان في “صحيحه”.
ــ أن يختم مجلسه بما يبقى أثره في نفسه؛ بأن يبعث التفاؤل في نفسه ويؤكد له أن الله سيفرج عنه ويمد له في أجله؛ تطييبًا لنفسه وجبرًا لخاطره.
والحاصل أن الشريعة الإسلامية تريد من الإنسان أن يُقدم على زيارة المريض، وأن يحرص على فعل كل ما يهون عليه ويجبر خاطره، وأن يبتعد عن كل ما يسبب له أدنى نوع من أنواع الأذى؛ لأن الله تعالى يحب من عباده أن يتخلقوا من الأخلاق بأحسنها، وأن يفعلوا من الفعال أكملها؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مكارمِ الْأَخْلَاقِ، وكَمَالِ مَحَاسِنِ الْأَفْعَالِ» أخرجه الطبراني في “الأوسط” و”مكارم الأخلاق”، والبيهقي في “شعب الإيمان”، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا.