انهيارات العقارات بالإسكندرية.. بين ضعف البنية التحتية وتباطؤ الحلول الرسمية

أصبحت العقارات الآيلة للسقوط والمائلة في الإسكندرية وانهيارها المستمر كارثة تهدد حياة أهالي المدينة في ظل ظروف صعبه للغاية، ويواصل «نيوز رووم» نشر التقارير الإخبارية لطلاب قسم الصحافة والإعلام والعلاقات العامة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية لرصد أزمة تلك العقارات من خلال تقاريرهم الإخبارية، ومن خلال مادة المقال والتقرير الصحفي وذلك تحت رعاية الدكتور طه نجم رئيس القسم وعميد كلية الإعلام الرقمي بالجامعة الأهلية، وإشراف الدكتورة ولاء يسري مدرس ماده المقال و التقرير الصحفي، والكاتب الصحفي خالد الأمير وكيل نقابة الصحفيين ومدرسة العملي للمادة.
انهيارات العقارات بالإسكندرية.. بين ضعف البنية التحتية وتباطؤ الحلول الرسمية
ويحمل عنوان التقرير هذه المره اسم «انهيارات العقارات بالإسكندرية.. بين ضعف البنية التحتية وتباطؤ الحلول الرسمية»، من إعداد وصياغة الطلاب سيف المعتز بالله محمد، سودة هشام عمر حسين، رمضان مرسي حسن، يارا عرفات محمود، وسارة محمود السيد، وجاء التقرير كالتالي:-
التقرير
شهدت محافظة الإسكندرية خلال السنوات الأخيرة تكرار حوادث انهيار العقارات، ما تسبب في خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات وأثار قلق متزايد بين المواطنين. ومع ارتفاع عدد المباني القديمة والآيلة للسقوط، تتجدد المطالب بتحديد الأسباب الحقيقية لتلك الكوارث ودور الجهات المعنية في وضع حلول جذرية للحد منها.
وفي حي شرق، باتت العقارات الآيلة للسقوط تشكل خطرا جسيما خاصة في المناطق القديمة بالأحياء الشعبية.
وقال المهندس إبراهيم عبود، مدير الإدارة الهندسية في حي شرق، إن عدد العقارات الآيلة للسقوط في نطاق الحي يبلغ نحو 18 ألف عقار، فيما يبلغ عدد العقارات المصنفة كـ"خطر" أو مهددة بالانهيار حوالي 10 آلاف عقار.



وأوضح أن أكثر من 20% من العقارات القديمة تحتاج إلى ترميم شامل، مشيرًا إلى أن العقارات ذات الطراز التراثي لا تصدر لها قرارات هدم، وإنما تُعرض على اللجنة الفنية بالقاهرة التي تصدر قرارات بالترميم وإعادة الشيء إلى أصله دون تغيير معالمه أو طابعه المعماري.
وأكدت المهندسة مديحة محمد، مدير تنظيم حي شرق، أن العقارات ذات الطراز المعماري المميز تخضع لإشراف لجنة فنية بالمحافظة، تشرف على تنفيذ قرارات الترميم لضمان الحفاظ على الشكل المعماري الأصلي، ومنع أي تغييرات في واجهات المباني أو طابعها التاريخي.
وأشارت المهندسة مديحة إلى أن بيانات العقارات الآيلة للسقوط تُجمع من خلال قسم المنشآت الآيلة للسقوط في الحي، الذي يحتفظ بجميع القرارات والمعلومات المحدثة إلكترونيًا، موضحة أن نطاق الحي واسع ويضم مناطق قديمة مثل الظاهرية والسيوف وأبو سليمان وباكوس، ومعظم هذه المناطق تحتوي على عقارات قديمة آيلة للسقوط أو صادرة لها قرارات هدم جزئي.
وأضافت أن الحي يتعامل بشكل فوري مع أي أجزاء تمثل خطورة على المارة، مثل سقوط شرفات أو أجزاء من الواجهات، حيث يتم إرسال مذكرة إلى قسم المشروعات لإزالة الجزء المهدد بالسقوط فورًا حفاظًا على سلامة المواطنين.
وتابعت أن من أبرز الصعوبات التي تواجه الحي في تنفيذ قرارات الإزالة أو الإخلاء هي رفض السكان مغادرة منازلهم بحجة عدم وجود سكن بديل، قائلة: "من الصعب إخراج المواطنين من منازلهم دون توفير بديل مناسب، لأن الدولة لا توفر في الوقت الحالي مساكن بديلة للأسر المتضررة"، مشيرة إلى أن الحي يحرر محاضر في قسم الشرطة، ويوقّع السكان على إقرارات بالإقامة على مسؤوليتهم في حال رفضهم الإخلاء.
قال الدكتور التوني محمود التوني، أستاذ الخرسانة بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية وعضو لجنة المنشآت الآيلة للسقوط في حي شرق، إن أحد أهم أسباب ميل العقارات في الإسكندرية هو إهمال دراسة وتنفيذ الأساسات المناسبة حسب طبيعة التربة في المناطق المختلفة بالمحافظة، موضحًا أن طبقات التربة تختلف من منطقة لأخرى.
وأشار إلى أن بعض المناطق مثل سيدي بشر بحري تكون تربتها رملية ويتم التأسيس فيها على أساسات سطحية، بينما مناطق أخرى مثل سموحة تحتوي على طبقات طينية متتالية مما يستلزم عمل أساسات عميقة وهامات مرتكزة على خوازيق بعمق مناسب، في حين أن مناطق مثل الأزاريطة تحتوي على طبقات ردم، وهو ما يستوجب أيضًا التأسيس على أساسات عميقة.
وأضاف أن إهمال المقاولين لعمل الجسات لتحديد نوع التأسيس المناسب لكل مبنى يجعلهم عرضة لتأسيس مبانٍ لا تتناسب مع طبيعة التربة، مما يؤدي إلى ميل أو انهيار العقار في بعض الحالات كما حدث في عمارة الأزاريطة الشهيرة عام 2017.
وأكد الدكتور التوني أن الحل الأمثل هو اتباع الأصول الهندسية في أعمال إنشاء المباني، من خلال إجراء الدراسات الشاملة التي تتضمن تقارير التربة وسند جوانب الحفر لتحديد نوع الأساس المناسب لكل منطقة وعدد الأدوار، إلى جانب التصميم الإنشائي طبقًا لمتطلبات الكود المصري للمباني الخرسانية، على أن يتم التنفيذ بواسطة مقاولين متخصصين وتحت إشراف هندسي دقيق.
وأوضح أن عدد العقارات المطلوب ترميمها أو الآيلة للسقوط يتم تحديده من خلال لجان متخصصة في كل حي، ويتم تحديث الحالات الحرجة بشكل دوري على مدار العام. وأشار إلى أن قرار الترميم أو الإزالة يعتمد على تقرير استشاري إنشائي متخصص يقوم بمعاينة المبنى وإجراء الدراسات والاختبارات اللازمة لتحديد مدى جدوى ترميمه أو تدعيمه.
وبيّن أن الترميم يكون خطرًا في حالتين، الأولى إذا كان العقار آيلًا للسقوط، والثانية إذا تم الترميم بواسطة أشخاص غير مؤهلين، مؤكدًا أن أعمال الترميم تحتاج إلى عمالة متخصصة وإشراف هندسي ذو خبرة لأنها تختلف تمامًا عن أعمال الإنشاء العادية.
وقال إن المشكلة لا ترتبط بعمر المبنى فقط، فهناك مبانٍ قديمة أُنشئت وفق معايير هندسية سليمة وتظل مستقرة لسنوات طويلة، في حين أن هناك مباني حديثة تم إنشاؤها بصورة عشوائية دون إشراف هندسي فأصبحت مهددة بالانهيار، مؤكدًا أن الالتزام بالمعايير الهندسية منذ التصميم وحتى التنفيذ هو الطريق الوحيد للوصول إلى مبانٍ آمنة ومستقرة.
وأكد المهندس عبود، أحد مسئولي حي شرق و خبير الإنشاءات أن مشكلة رفض السكان للإخلاء تمثل أحد أكبر التحديات أمام تنفيذ قرارات السلامة، موضحًا أنه في حال رفض السكان يتم تحرير محضر يُحال إلى النيابة ثم المحكمة، وتُفرض غرامة على المخالفين لعدم تنفيذ قرارات الترميم أو الإزالة. وأشار إلى أنه يتم إخطار قسم الشرطة التابع للعقار لاتخاذ الإجراءات القانونية، وفي بعض الحالات يوقّع السكان إقرارًا بالإقامة على مسؤوليتهم، وهو ما تسبب في وقوع حوادث مؤسفة أدت إلى وفيات نتيجة انهيار العقارات.
ويظل انهيار العقارات في الإسكندرية أزمة تتطلب تنفيذًا صارمًا للقوانين والتقارير الهندسية، مع متابعة مستمرة لحالات الخطر، حفاظًا على أرواح المواطنين ومنع تكرار المآسي التي شهدتها المحافظة في السنوات الأخيرة.