دولة التلاوة| الشيخ محمود البجيرمي.. صوت من ذهب تميز بالخشوع وإتقان الأداء

احتفى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، في مبادرة موسّعة لإبراز رموز التلاوة المصرية، بذكرى وتراجم ومسيرة الشيخ محمود البجيرمي، قارئ شكل علامة مميزة في ذاكرة الاستماع للمصحف عبر الإذاعة المصرية والمساجد منذ منتصف القرن العشرين.
من هو محمود البجيرمي؟
ولد محمود عزب السيد البجيرمى، الشهير بـ"محمود البجيرمي" عام 1933، فى قرية "بجيرم" التابعة لمحافظة "المنوفية" المصرية، ووهبه والده للقرآن الكريم، حتى يرعاه الرحمن برعايته، سيما وقد توفي 4 من أخوته فى سن مبكرة قبل ولادته، فألحقه بكتاب القرية، وحفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره، وجوده وهو في الرابعة عشر من عمره، وأرسله والده للدراسة في معهد القراءات بالقاهرة، لكن شهرته التى بدأت تتسع حالت بينه وبين استكمال الدراسة فى المعهد، وأصبح ذلك الشاب العشرينى يجالس كبار قراء القرآن الكريم، وظل على درب النجاح ما يقرب من 15 عامًا حتى اختير قارئًا للسورة فى مسجد عمر بن عبدالعزيز بمصر الجديدة عام 1966.
وفى عام 1968 اختير الشيخ البجيرمى قارئًا للسورة فى مسجد عين الحياة، ذلك العام الذي تم اعتماده فيه قارئًا بالإذاعة، وكانت تربطه علاقة صداقة قوية بالشيخ عبد الحميد كشك خطيب المسجد، وظل يقرأ السورة في المسجد حتى انتقاله لمسجد الفتح فى رمسيس عام 1985، قارئًا للسورة حتى وفاته عام 1992 للميلاد.
وکان یتمتع بصوت جمیل وأداء رائع بدأ تلاوة القرآن الکریم بإحتراف وأصبح یتبع أسالیب کبار القراء کما کان یرغب کثیراً في أسلوب الشیخ "مصطفی إسماعیل" وکان یتبع أسلوبه.
وتأثر الشيخ محمود البجيرمي أكثر ما تأثر بمدرسة القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل، وذلك قبل أن يستقل بشخصيته القرآنية ويفسح لنفسه مكاناً واضحاً بين نجوم التلاوة بما حباه الله من صوت عذب جميل، وأسلوب فريد ميزه عن قراء عصره، حتى نافس عباقرة التلاوة وأصبح ملء السمع والبصر على امتداد عشرين عاماً ما بين نهاية الستينيات ونهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك في أعقاب تعيينه قارئاً بمسجد «عين الحياة» وهو قارئ مجيد لا تخطئه الأذن يتمتع بملكات خاصة في القراءة إضافة إلى وقاره وهيبته اللتين تغشيان النفس لأول وهلة.
وإنضم الشیخ العام 1986 میلادی إلی الإذاعة المصریة حیث تلی القرآن إلی جانب کبار القراء فی مصر کما کان یتلو القرآن الکریم في المحافل والمجالس القرآنیة التي تغطیها الإذاعة آنذاك.
وأدى انتشار شهرته وسمعته في جميع أنحاء البلاد الإسلامية إلى دعوته إلى بلدان مختلفة لقراءة القرآن، على سبيل المثال، أثناء سفره إلى الإمارات العربية المتحدة قام بتلاوة في أهم مساجد هذه الدولة.
بصمة صوتية
تميّز البجيرمي بصوتٍ متزنٍ ذو خصائصٍ خاصة قوام من الخشوع والدفءٍ صنعَ علاقة مباشرة بينه وبين جمهورالمستمعين الذين وصفوا صوته بأنه «صوت الذهب» في زمن شهد تنافسًا وازدهارا لكبار القراء؛ وقد ظهرت تلاواته في برامج رمضانية وإذاعات دائمة، كما بقيت تسجيلاته مرجِعًا للمحبين للاستماع إلى روحٍ خاصة في التلاوة.
من المساجد للاستوديو
الشيخ محمود البجيرمي بدأ يأخذ مكانه في المساجد الكبرى قبل أن يُعين قارئًا معتمَدًا في الإذاعة؛ فقد شغلت تلاواته الفجر والمساء والبرامج الرمضانية، وكانت له جلسات قراءة في مساجد معروفة بالقاهرة وخارجها، ما أكسبه حضورًا شعبيًا متينًا. مثل هذه المحطات ذُكرت خلال فعاليات المجلس لتوضيح مسار الصعود الفني والتثبيت الإعلامي لصوتٍ كان له جمهورُ من المستمعين.
في زمن يعاد فيه إحياء التراث الصوتي، يصبح توثيق أصوات القراء وتقديمها لجمهور الشباب والجيل الجديد أمرًا ذا أهمية مزدوجة: دينيًا وثقافيًا؛ دينيًا لأنّ التلاوة من جوانب العبادة والثقافة الإسلامية، وثقافيًا لأنّ تسجيلات الإذاعة ومحطات البث تشكل جزءًا من الذاكرة الاجتماعية. الاحتفاء بمثل هذه الشخصيات يعيد ربط المشاهدين والمستمعين بجذور التلقي القرآني ويهيئ مادة أرشيفية للتعليم والدراسة.
جاء احتفاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالشيخ محمود البجيرمي مناسبةً لتجديد الاعتراف بقيمة الأصوات التي امتدت عبر أثير الإذاعة والمساجد، ولفتةً إلى ضرورة الحفاظ على الأرشيف الصوتي كجزءٍ من الحِفاظ على الهوية الدينية والثقافية. في زمنٍ تتسارع فيه وسائل النشر، تبدو مثل هذه المبادرات جسرًا بين الماضي والحاضر، بين تلاوةٍ عاشت في ذاكرة الناس وصوتٍ لم يغب عن أسماعهم.