عاجل

ماذا يقول الشخص عند العجز عن قول التشهد في الصلاة؟.. الإفتاء توضح

الصلاة
الصلاة

إذا كان المصلِّي لا يحفظ التشهد ولا يستطيع ذلك، وأيضًا لا يستطيع قراءته من ورقة أو نحو ذلك كشاشة التليفون مثلًا، فلا حرج من وجود من يعينه بالجلوس بجانبه لتلقينه صيغة التشهد عند الصلاة، فإذا أتى موضع التشهد الأول قال له قل كذا وكذا، فإذا وصل إلى التشهد الأخير قال له قل كذا وكذا، فإن تعذر ذلك عليه فإن المصلِّي يأتي ببدل التشهد من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل بقدر التشهد، فإن عجز عن ذلك كله فإنه يجلس بقدر التشهد، ثم يُكْمِل صلاته حتى يُسلِّم، والصلاة صحيحة.

بيان المراد بالتشهد وألفاظه


التشهد: مصدر تشهد، والتشهد النطق بالشهادتين، وفي الصلاة: اسم لمجموع الكلمات التي تقرأ في الصلاة؛ كما رواها سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره من الصحابة الكرام.

وألفاظ التشهد وردت في كثير من الأحاديث الشريفة على اختلاف بينها؛ منها: ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ».

وأخرج الإمام مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال: وهو على المنبر يعلم النَّاس التشهد، يقول: قولوا: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».

حكم قول التشهد الأوسط في الصلاة


قراءة الذكر المخصوص في التشهد من أفعال الصلاة التي اختلف فيها فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة بين الركنية والوجوب والسنية، سواء كان ذلك بالنسبة للأول وهو الأوسط، أو ما لا يعقبه سلام على اختلاف تعبيرات الفقهاء، أو بالنسبة للأخير وهو ما يكون بعده سلام.

فالقراءة في التشهد الأول -وهو الأوسط- سنة عند جمهور الفقهاء من الحنفية في مقابل الأصح والمالكية في المشهور والشافعية.

قال الإمام السرخسي الحنفي في المبسوط: قال: فإن سها عن قراءة التشهد في القعدة الأولى وتكبيرات العيد أو قنوت الوتر ففي القياس لا يسجد للسهو؛ لأن هذه الأذكار سنة.

وقال العلامة خليل المالكي في مختصره عند ذكر سنن الصلاة: وسننها.. وكل تشهد.

قال العلامة الخرشي في شرحه على مختصر خليل شارحًا له: يعني أن كل تشهد سنة على ما شهَّره ابن بزيزة، وسواء كان بهذه الألفاظ التي وردت عن عمر أم بغيرها.

وقال الإمام النووي الشافعي في روضة الطالبين: فصل: في التشهد والجلوس له. هما ضربان. أحدهما: أن يقعا في آخر الصلاة، وهما فرضان. والثاني: في أثنائها، وهما سنتان.

وقد بيَّن الإمام القسطلاني وجه دلالة ما ذهب إليه الجمهور، والجواب على من ذهب إلى الوجوب من الفقهاء؛ حيث قال في شرحه على صحيح البخاري: فيه ندبية التشهد الأول؛ لأنه لو كان واجبًا لرجع وتداركه. وهذا مذهب الجمهور، خلافًا لأحمد حيث قال: يجب، لأنه عليه الصلاة والسلام فعله وداوم عليه، وجبره بالسجود حين نسيه، وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي. وتعقب: بأن جبره بالسجود دليل عليه لا له، لأن الواجب لا يجبر بذلك، كالركوع وغيره. وممّن قال بالوجوب أيضًا إسحاق، وهو قول للشافعي، ورواية عند الحنفية.

وذهب الحنفية في الأصح، والحنابلة إلى وجوب قراءة التشهد في التشهد الأول (الأوسط).

قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في البناية: قراءة التشهد في القعدة الأولى فيها اختلاف، هل هي سنة أم واجبة؟ قال الكرخي والطحاوي وبعض المتأخرين: القعدة الأولى واجبة، وقراءة التشهد فيها سنة عند بعض المشايخ، وهو الأقيس، وعند بعضهم واجبة، وهو الأصح.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في الكافي في فقه الإمام أحمد في بيان واجبات الصلاة: وواجباتها المختلف فيها: تسعة.. والتشهد الأول، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتسليمة الثانية: وقد ذكرنا في وجوب جميعها روايتين.

وقال في المغني: والتشهد الأول واجب. وهو قول إسحاق وداود. وعن أحمد: أنه غير واجب، وهو قول أكثر الفقهاء.

حكم قول التشهد الأخير في الصلاة


أما التشهد الأخير فذهب السادة الحنفية إلى أن قراءته واجبة وليست بركن؛ فيجب على المكلف سجود السهو بتركها مع صحة صلاته.

وقال الإمام الكاساني في بدائع الصنائع في بيان الواجبات الأصلية في الصلاة: ومنها التشهد في القعدة الأخيرة.

وقال البدر العيني في البناية شرح الهداية: قراءة التشهد في القعدة الأخيرة واجبة بالاتفاق.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن التشهد في الصلاة ركن تبطل الصلاة بتركه.

قال الخطيب الشربيني الشافعي في مغني المحتاج: التاسع والعاشر والحادي عشر من الأركان التشهد، سمي بذلك لأنه فيه الشهادتين، فهو من باب تسمية الكل باسم الجزء، ووقعوده، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آخره والقعود لها، فالتشهد وقعوده إن عقبهما سلام فهما ركنان.

وقال الإمام الزركشي الحنبلي في شرح مختصر الخرقي: والتشهد الأخير والجلوس له ركنان.

وذهب المالكية إلى أن كل تشهد في الصلاة سنة، سواء كان الأول أم الأخير؛ يجبر بسجدتين للسهو.

قال العلامة الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير للشيخ الدردير: قوله أي كل فرد منه سنة مستقلة: هذا هو الذي شهره ابن بزيزة، خلافًا لمن قال بوجوب التشهد الأخير، وذكر اللخمي قولًا بوجوب التشهد الأول، وشهر ابن عرفة والقلشاني أن مجموع التشهدين سنة واحدة.

حكم قراءة التشهد من ورقة أو ما شابه عند عدم الحفظ


فتمام الصلاة وكمالها بالتشهد، وبالنظر إلى ما ذهب إليه جمهور الفقهاء فإنه يجب على المكلف حفظ واحدة من صيغ التشهد الواردة، فإن لم يستطع فعليه أن يكتب صيغته في ورقة ويقرأ منها حال صلاته.

قال الإمام قليوبي الشافعي في حاشيته على شرح المحلي على المنهاج: لو عجز عن التشهد جالسًا لكونه مكتوبًا على رأس جدارٍ مثلًا: قام له كما في الفاتحة في عكسه، ثم يجلس للسلام.

فيفهم من هذا أن المصلي إذا عجز عن حفظ التشهد فإنه يقرأه من خلال ورقة أو شاشة يعده عليها حال الصلاة فيقرأ منها أو نحو ذلك.

حكم تلقين المصلي التشهد في الصلاة إذا عجز عن حفظه


إن عجز عن القراءة فإن المصلي يلزمه أن يأتي بأحد ليلقنه لفظ التشهد عند صلاته، ولو بأجرة.

قال الإمام العدوي المالكي في حاشيته على كفاية الطالب الرباني: لو كان لا يقدر على الإتيان ببعض أقوال الصلاة أو أفعالها إلا بالتلقين لوجب عليه اتخاذ من يلقنه، ولو بأجرة ولو زادت على ما يجب عليه بذله في ثمن الماء، فيقول له عند الإحرام للصلاة قل: الله أكبر وهكذا ويقول بعد الفاتحة والسورة افعل هكذا إشارة إلى الركوع.

وقال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في مغني المحتاج: وتتعيّن الفاتحة أي قراءتها حفظًا، أو نظرًا في مصحف أو تلقينًا أو نحو ذلك في كل ركعة في قيامها أو بدله، للمنفرد وغيره، سرية كانت الصلاة أو جهرية، فرضًا أو نفلًا.

ما يُقال عند العجز عن قول التشهد في الصلاة
إن لم يستطع المصلِّي ذلك كله أتى ببدله؛ كقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

قال الإمام الشرواني الشافعي في حاشيته على تحفة المحتاج: ولو عجز عن التشهد أتى ببدله كما هو ظاهر، وينبغي اعتبار وجوب اشتمال بدله على الثناء حيث أمكن، وهل يعتبر اشتماله على التوحيد مع الإمكان؟ فيه نظر. ولو حفظ أوله وآخره دون وسطه سن أن يأتي بأوله ثم ببدله وسطه ثم بآخره. وقوله وهل يعتبر إلخ، الظاهر أنه يعتبر؛ بل هو أولى بالاعتبار من الاشتمال على الثناء.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في المقنع: فإن لم يحسن شيئًا من القرآن؛ لم يجز أن يترجم عنه بلغة أخرى، ولزمه أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فإن عجز المكلف عن واحد من الأفعال السابق ذكرها، بحيث لا يستطيع الحفظ، ولا القراءة من ورقة أو شاشة أو نحو ذلك، ولا يوجد من يلقنه، ولا يحفظ أذكارًا تكون بدلًا عن قراءة التشهد، فإنه في هذه الحالة يجلس بقدر التشهد ثم يكمل أفعال الصلاة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء في حال العجز عن قراءة الفاتحة، فإذا ثبت هذا حال العجز عن الفاتحة وهي من فرائض الصلاة وواجباتها، فيقاس عليها ما دون ذلك من الأفعال من التشهد والأذكار.

قال العلامة السرخسي الحنفي في المبسوط: فإن عجز عن القراءة تسقط عنه القراءة؛ لأن القراءة ركن كما أن القيام ركن، فلو عجز عن القيام سقط عنه القيام فكذلك هنا.

وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف: إذا كان لا يحسن شيئًا من القرآن أصلًا لزمه أن يكبر للإحرام، ولم يلزمه من طريق الوجوب تسبيح، ولا تحميد، ولا غيره، ويستحب له أن يقف وقوفًا ما، فإن لم يفعل، وركع؛ أجزأه.

وقال الإمام النووي الشافعي في المجموع: فإن لم يحسنه، ولا أمكنه وجب أن يقف بقدر قراءة الفاتحة، وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: إذا عجز عن القرآن؛ قام ساكتًا، ولا يجب الذكر، وقال مالك: لا يجب، ولا القيام، وقد سبق دليلنا عليهما.

وقال العلامة المرداوي الحنبلي في الإنصاف: فإن لم يحسن شيئًا من الذكر؛ وقف بقدر القراءة؛ كالأخرس، وهذا بلا نزاع في المذهب أعلمه.

تم نسخ الرابط