عاجل

ما حكم التطهر من الدم الخارج من غير السبيلين؟.. الإفتاء توضح

الوضوء
الوضوء

ما حكم التطهر من الدم الخارج من غير السبيلين؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء 

لا ينتقض الوضوء بالرعاف ولا بالدم الخارج من الجروح ونحوها ما لم يكن خارجًا من السبيلين، وعلى المسلم غسل موضع الدم فقط، على أن تجديد الوضوء في كل حالٍ مندوبٌ إليه ويُثاب عليه فاعله.


فضل الطهارة في الإسلام


من المعلوم أن الشرع الشريف أمر المسلم بتطهير قلبه وجوارحه وبدنه؛ فأمره بتطهير القلب من الآثار المذمومة والرذائل الممقوتة، وتطهير الجوارح من الذنوب والآثام، وتطهير البدن من الأحداث والنجاسات بالوضوء عند الصلاة ونحوها؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾، وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الشيخان: «لا يَقبلُ اللهُ صَلاةَ مَن أَحْدَثَ حتى يَتَوَضَّأ».
وقد بيَّن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أركان الوضوء وسننه وصفته، كما بيَّن ما ينتقض به الوضوء من أحداث وأسباب أحداث.

انتقاض الوضوء بما يخرج من السبيلين


قد أجمع الفقهاء على انتقاض الوضوء بما يخرج من السبيلين من غائط وبول وريح ومذي على وجه الصحة.

التطهر من الدم الخارج من غير السبيلين


قد علَّق الشرع وجوب الوضوء بالغائط والبول والمذي والريح من جهة أعيانها؛ فهو من الخاص المحمول على خصوصه؛ أي أن ما أمر الشرع بالوضوء منه يُقتصر فيه على أعيان هذه المذكورات؛ لأنه يُراد به خصوص هذه الأعيان، وذلك عند المالكية، وقال الشافعية: إن الشرع علق وجوب الوضوء بالغائط والبول ونحوه من جهة أنها خارجة من السبيلين؛ فالأمر بالوضوء منها إنما هو من باب الخاص أُريد به العام، وهو المخرج؛ أي أن الغائط والبول ونحوه مما أمر الشرع بالوضوء منه، وهو أمر خاص، يُراد به الوضوء من كل ما خرج من السبيلين؛ الذي هو أمر عام. ولم يرد في دم الرعاف، وهو الدم الذي يسبق من الأنف، ولا في دم الجروح أمر خاص بالوضوء منه، بل الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يتوضأ من ذلك؛ فقد أخرج الدارقطني في “سننه” والبيهقي في “السنن الكبرى” عن أنس رضي الله عنه أنه قال: “احتجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلَّى ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه”.
وروى الإمام البخاري في “صحيحه” تعليقًا وأبو داود في “سننه” عن جابر رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في غزوة ذات الرقاع، فرُمي رجل بسهم فنزفه الدم، فركع وسجد ومضى في صلاته”.
فلم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجل الذي رُمي بسهم بالوضوء مما نزل منه من دم بفعل السهم الذي أُصيب به فنزعه.
وروى الإمام البخاري عن الحسن أنه قال: “ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم”.
وقال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز: ليس في الدم وضوء، وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ، وبزق ابن أبي أوفى دمًا فمضى في صلاته، وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم: ليس عليه إلا غسل محاجمه.
ولهذه الأدلة ذهب المالكية والشافعية إلى أن الرعاف والدم الخارج من الجروح لا ينقض الوضوء، وخص الحنابلة عدم النقض بالدم القليل منه.
ويقول الإمام القرافي المالكي في كتابه “الذخيرة”: [القيء والقلس والحجامة والفصادة والخارج من الجسد من غير السبيلين لا توجب وضوءًا].
ويقول الإمام الجويني الشافعي في كتابه “نهاية المطلب”: [لا ينتقض الوضوء بالقيء والرعاف والحجامة والفصد وخروج شيء من الخارجات من غير المخرج المعتاد عند الشافعي].

وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن كل نجس يخرج من البدن، فإنه يجب فيه الوضوء؛ سواء خرج من السبيلين أو من غيرهما، وخصه الحنابلة بالكثير الفاحش دون اليسير، وهو القدر الذي يستفحشه كل إنسان في نفسه، وقيل: ما كان ملء الكف. ولما كان الدم نجسًا على أصلهم فقد أوجبوا الوضوء من الرعاف والجروح؛ قال الإمام الكاساني في كتابه “بدائع الصنائع”: [الحدث هو نوعان: حقيقي وحكمي، أما الحقيقي: فقد اختلف فيه، قال أصحابنا الثلاثة: هو خروج النجس من الآدمي الحي؛ سواء كان من السبيلين الدبر والذكر أو فرج المرأة، أو من غير السبيلين: الجرح والقرح والأنف من الدم والقيح والرعاف والقيء، وسواء كان الخارج من السبيلين معتادًا؛ كالبول، والغائط والمني والمذي والودي ودم الحيض والنفاس، أو غير معتاد؛ كدم الاستحاضة].
وقال الإمام ابن قدامة في كتابه “المغني”: [الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم قسمين: طاهرًا ونجسًا؛ فالطاهر لا ينقض الوضوء على حال ما، والنجس ينقض الوضوء في الجملة، رواية واحدة… وإنما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير].
واستدلوا في ذلك بأحاديث جاءت في هذا المعنى؛ كالذي أخرجه الدارقطني في “سننه” من رواية يزيد بن خالد، عن يزيد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز قال: قال تميم الداري رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الوضوء من كل دم سائل»، وما أخرجه ابن ماجه في “سننه” من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ»، واحتجوا كذلك بقياس الدم على البول والغائط بجامع أنهم نجس خرج من البدن.
وقد أجاب الجمهور بأن هذه الأحاديث ضعيفة لا يثبت منها شيء، وإن صحت فهي محمولة على غسل النجاسة أو الاستحباب كما أفاد الإمام النووي في “المجموع”، وأنه لا يصح القول بوجوب الوضوء من دم الجروح والرعاف بالقياس على البول والغائط من الأحداث باعتبار أنه خارج نجس من البدن؛ لأن الشريعة المطهرة إنما أوجبت الوضوء من البول والغائط ونحوه مما خرج من السبيلين تعبُّدًا، والقياس في التعبد متعذر لعدم العلة الجامعة.

تم نسخ الرابط