عاجل

ألبس عدسات لاصقة( لينسيز ) فهل يجب عليَّ نزعها وقت الطهارة والوضوء ؟

الوضوء
الوضوء

في ظل الانتشار الواسع لاستخدام العدسات اللاصقة سواء لأغراض طبية أو تجميلية، يتساءل كثير من الناس عن حكم بقائها أثناء الوضوء أو الغسل: هل تُعدّ حائلًا يمنع وصول الماء فيبطل الطهارة؟ أم أن وجودها داخل العين لا يؤثر على صحة الوضوء والغسل؟


بيان حكم غسل العين في الطهارة


العين عضو باطن يقع في الوجه الذي أُمر المكلَّف بغسله على سبيل الفرض في الطهارة الصغرى أو الكبرى بالإجماع، ومن هنا رأى بعض الفقهاء وجوب غسل العين في الطهارة، وينبني عليه وجوب نزع العدسات عند الطهارة؛ لئلا تكون ساترًا لبعض محل الفرض عند الغسل كسائر أعضاء الوضوء؛ حيث يشترط عدم وجود ساتر لأي جزء من محل الفرض عند غسله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
والراجح في هذه المسألة: أن غسل داخل العين في الطهارة لا يشترط، بل ولا يُشرع؛ وعليه: فإن وجود العدسات داخل العين لا يؤثر في الطهارة الشرعية، سواء كانت العدسات طبية أو للزينة.
والدليل على ذلك هو أن إدخال الماء في العين لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولًا، ولا فعلًا، وفيه أيضًا حرج، وقد رفعه الله عنا؛ ولأن غسلها يؤدي إلى الضرر، وقد نُهينا عنه. ولا يبعد وصفه بالتكلف والتنطع، وكلاهما مذموم شرعًا.

بيان أقوال العلماء في حكم غسل داخل العين في الطهارة


ما ذكرناه هو مذهب جماهير أهل العلم سلفًا وخلفًا، وهو الراجح في المذاهب الأربعة.
قال الإمام السرخسي في المبسوط من كتب الحنفية: ثم يغسل وجهه ثلاثًا، وحد الوجه: من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن إلى الأذنين؛ لأن الوجه اسم لما يواجه الناظر إليه، غير أن إدخال الماء في العينين ليس بشرط؛ لأن العين شحم لا يقبل الماء، وفيه حرج أيضًا، فمن تكلف له من الصحابة رضوان الله عليهم كُفَّ بصرُه في آخر عمره، كابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.
وقال القاضي سند المالكي في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: لا خلاف بين أرباب المذاهب أنه لا يشرع غسل داخل العينين، ويؤثر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يفعله حتى عمي.
وقال العلامة الخطيب الشربيني في مغني المحتاج من كتب الشافعية: الوجه ما تقع به المواجهة، وخرج بظاهره داخل الفم والأنف والعين، فإنه لا يجب غسل ذلك قطعًا، بل ولا يستحب غسل داخل العين، بل صرح بعضهم بالكراهة؛ للضرورة.
وقال العلامة البهوتي في كشاف القناع من كتب الحنابلة: ولا يجب غسل داخل عين، بل ولا يُسن غسل داخل عين لحدث أصغر أو أكبر. قاله في الشرح وغيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله ولا أمر به، ولو أمن الضرر، بل يُكره لأنه مضر. وقد روي أن ابن عمر رضي الله عنهما عمي من كثرة إدخال الماء في عينيه.

وذهبت طائفة قليلة من أهل العلم إلى استحباب غسل داخل العينين، وبعضهم إلى وجوبه، وبعضهم إلى وجوبه في الجنابة فقط، قال العلامة العمراني في البيان: وأما إدخال الماء في العينين: فلا يجب… ومن أصحابنا من قال: يستحب ذلك؛ لما روي: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغسل عينيه حتى عمي، والأول أصح.
وقال العلامة المرداوي في الإنصاف: ظاهر كلام المصنف: وجوب غسل داخل العينين، وهو رواية عن أحمد بشرط أمن الضرر… والصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم: أنه لا يجب غسل داخلهما مطلقًا ولو للجنابة. وعنه يجب للطهارة الكبرى… فعلى المذهب: لا يُستحب غسل داخلهما ولو أُمن الضرر على الصحيح من المذهب، بل يُكره… وغيرهم بالاستحباب إذا أُمن الضرر… وقيل: يُستحب في الجنابة دون الوضوء.

وهؤلاء لم يذكروا لهم حجة، فإذا تلمسنا لهم ذلك، لم نجد لهم إلا عموم اللفظ.
ولنا أن ما يخفى ليس من الوجه؛ لأنه لا يواجه به، فأشبه باطن الفم والأنف عند القائلين بعدم وجوب غسلهما في الطهارة.
وأما إن كان مستندهم فعل الصحابي، فهو ليس بحجة عند الجمهور، كما أنه انفرد بذلك ولم يتابع كما هو منصوص ومصرح به في كتب أهل الحديث والفقه؛ ولذا صرح مالك بأنه ليس عليه العمل، مع تحريه لعمل أهل المدينة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عبد الله بن معمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان إذا اغتسل من الجنابة نضح الماء في عينيه، وخلل لحيته. قال: قال عبد الله: ولا أعلم أحدًا نضح الماء في عينيه إلا ابن عمر رضي الله عنهما.
وأخرجه محمد بن الحسن في روايته لموطأ مالك مطولًا، ثم قال محمد: وبهذا كله نأخذ إلا النضح في العينين، فإن ذلك ليس بواجب على الناس في الجنابة، وهو قول أبي حنيفة ومالك بن أنس والعامة.
وأخرجه البيهقي في سننه من طريق الشافعي، ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان إذا اغتسل من الجنابة نضح في عينيه الماء. قال مالك: ليس عليه العمل. قال الشافعي: ليس عليه أن ينضح في عينيه؛ لأنهما ليستا ظاهرتين من بدنه.
ولما كان ما ذكره المخالف لا ينهض لما ذكرنا من الأدلة، مع إعراض الجماهير من العلماء سلفًا وخلفًا عن ما ذهبوا إليه، كان ما رجحناه أسعد بالعمل والدليل؛ ولذا صرح العلامة ابن قدامة بكراهته؛ حيث يقول في المغني: والصحيح أن هذا ليس بمسنون في وضوء ولا غسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله، ولا أمر به، وفيه ضرر، وما ذكر عن ابن عمر رضي الله عنهما فهو دليل على كراهته؛ لأنه ذهب ببصره، وفعل ما يخاف منه ذهاب البصر أو نقصه من غير ورود الشرع به إذا لم يكن محرمًا، فلا أقل من أن يكون مكروهًا.

تم نسخ الرابط