ما حكم الصيام والصدقة بنية الشكر لله؟ .. الإفتاء توضح

أكدت دار الإفتاء أن صيام الشكر وصدقة الشكر، وكذلك سائر القُرَب العملية: مندوبٌ إليها؛ فالشكر لا يقتصر على قول اللسان، بل يَشمل عمل الجوارح والأركان، من صلاةٍ وصدقةٍ وصيامٍ، وغيرها من سائر القُرَب والطاعات، وهو أحد درجات الشكر.
مفهوم الشكر وحكمه وجزاء الشاكرين
الشكر: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعةً. أو هو: مقابلة النعمة قولًا وعملًا واعتقادًا.
وقد أوجب الله تعالى على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وقرن سبحانه الذكر بالشكر في كتابه الكريم حيث قال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾، مع علو مكانة الذكر التي قال الله تعالى فيها: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾.
ووعد الله تعالى بنجاة الشاكرين من المؤمنين وجزائهم خير الجزاء؛ حيث قال: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾، وقال عز من قائل: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقال الإمام القرطبي: لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي.
حكم الصلاة والصيام والصدقة لشكر الله تعالى
الشكر كما يكون باللسان يكون بفعل قربة من القرب، كأن يصلي أو يصوم أو يتصدق، ولا يقتصر الفعل على سجدة الشكر.
قال الإمام النووي: لو تصدق صاحب هذه النعمة أو صلى شكرًا فحسن.
وقال الخطيب الشربيني: يسن مع سجدة الشكر الصدقة والصلاة للشكر، وقال الخوارزمي: لو أقام التصدق أو صلاة ركعتين مقام السجود كان حسنًا.
ومما يستدل به على ذلك قول الله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾.
وعن مسعر قال: لما قيل لهم اعملوا آل داود شكرًا، قال: لم تأت على القوم إلا وفيهم مصلٍّ.
وقال الإمام البغوي: يعني اعملوا الأعمال لأجل الشكر.
وقال الإمام ابن كثير: فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية.
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: «يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورًا».
قال الإمام ابن حجر: وفيه مشروعية الصلاة للشكر، وفيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان.
وقال الإمام ابن بطال: فكان اجتهاده في الدعاء، والاعتراف بالزلل والتقصير، والإعواز والافتقار إلى الله تعالى شكرًا لربه، كما كان اجتهاده في الصلاة حتى ترم قدماه شكرًا لربه.
ويستدل على ذلك أيضًا بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بصيامه».
قال ابن القيم: فصامه وأمر بصيامه تقريرًا لتعظيمه وتأكيدًا، وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أنه وأمته أحق بموسى من اليهود، فإذا صامه موسى شكرًا لله كنا أحق أن نقتدي به من اليهود، لا سيما إذا قلنا: شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالفه شرعنا.
كما يستدل على جواز صدقة الشكر بما رواه أبو ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى».
قال الإمام البيضاوي: والمراد بالصدقة الشكر والقيام بحق المنعم، بدليل قوله: «وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة» إلى آخره، والمعنى أن كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليمًا عن الآفات باقيًا على الهيئة التي تتم بها منافعه وأفعاله فعليه صدقة شكرًا لمن صوره ووقاه عما يغيره ويؤذيه.
فعلم مما تقرر أن الشكر لا يقتصر على قول اللسان، بل يشمل عمل الجوارح والأركان، من صلاة وصدقة وصيام، وغيرها من سائر القرب والطاعات، وهو أحد درجات الشكر.
قال الإمام ابن رجب الحنبلي: الدرجة الثانية من الشكر: الشكر المستحب، وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض واجتناب المحارم بنوافل الطاعات، وهذه درجة السابقين المقربين، وهي التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.