بـ 50 ألف سنة.. هل كتب الله الأقدار في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق؟

يتساءل الكثيرون عن حديث كتابة مقادير الخلائق وهل بالفعل الأقدار كتبت قبل خلق العباد، وفي السطور التالية نوضح ما جاء في شأن مقادير الخلائق وكتابتها قبل السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
هل كتب الله الأقدار في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق؟
يقول الدكتور جمال الأكشة الأستاذ بجامعة الأزهر: ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك فسلم الأمر كله لله: روي عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء". صحيح مسلم.
وتابع في شرح الحديث: كتب الله عز وجل أقدار الخلائق في اللوح المحفوظ، وهي واقعة وفق ما قضى الله عز وجل وقدر، وهي كتابة علم وإحاطة بما سيكون وليست كتابة جبر وإكراه، ومن خصائص العقيدة الصحيحة في الإسلام الإيمان بالغيب، ومنها ما كان من علم الأزل عند الله سبحانه وتعالى.
وفي هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله «كتب» أي: أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ، «مقادير الخلائق» وهو قضاء الله وحكمه الذي قدره على الخلائق أزلا قبل وجود الكائنات، فكتب علمه بالأشياء قبل كونها، وقبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ فلا تبديل ولا تغيير؛ فكل شيء كائن إلى يوم القيامة، فإنه مكتوب قد انتهي منه، فما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وكان عز وجل عرشه على الماء قبل خلق السموات والأرض، وفيه إشارة إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم؛ لكونهما خلقا قبل خلق السموات والأرض.
والعرش: هو عرش الرحمن الذي استوى عليه جل جلاله، وهو أعلى المخلوقات وأكبرها وأعظمها، له قوائم، وله حملة من الملائكة يحملونه، وصفه الله بأنه عظيم وبأنه كريم؛ فوصفه بالعظمة من جهة الكمية، وبالحسن من جهة الكيفية.
اللوح المحفوظ
فاللوح المحفوظ كتب فيه كل شيء، والله عز وجل قدر الأمور بأسبابها، فهذا قدر له النجاح، والتفوق؛ لاجتهاده وأخذه بالأسباب، وهذا قدر له الرسوب؛ لإهماله وتفريطه، وهذا قدر له الأولاد والذرية إذا تزوج، وهذا قدر له العافية إذا راجع الطبيب وأخذ الدواء، فالنتائج وأسبابها كل ذلك مقدر، والعبد يفعل الأسباب باختياره، ولهذا يجازى ويعاقب، وليس له أن يمتنع عن فعل الأسباب بحجة أن النتائج مقدرة، فإنه لا يدري ما الذي قدر له، ولو صح الامتناع عن فعل الأسباب، فليتوقف عن الأكل، والشرب، والجماع، وينتظر الصحة، والعافية، والولد بحجة أن ذلك مقدر!
فإن من القضاء ما يكون واقعاً محتوما وهو ما سبق في علم الله، ومنه ما يكون مصروفاً بأسبابه وهو القضاء المعلق المكتوب في صحف الملائكة، وقيل ما في اللوح المحفوظ لأنه خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة به فيحتمل التبديل كما قال القرطبي، ومذهب أكثر أهل العلم أن السعادة والشقاوة والموت والحياة وما شابه لا يدخلها المحو، واحتجوا بأدلة منها قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا {المنافقون: 11}. وقوله تعالى: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّر{نوح: 4}.
ومنها حديث ابن مسعود في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أم سعيد. ومنها حديث أم حبيبة قالت: اللهم متعني بأبي أبي سفيان وبأخي معاوية وبزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سألت الله في آجال مضروبة وأرزاق مقسومة لا يؤخر منها شيء. قال الإمام النووي: وهذا الحديث صريح في أن الآجال.