"نيوز رووم"من داخل العقل المدبر لأول قطار بدون سائق في مصر| فيديو وصور

بين مساحات شاسعة تصل إلى 85 فدانًا، تتناثر المباني الضخمة المخصصة لخدمة وتشغيل مونوريل شرق النيل، المشروع الذي يُعَدّ إحدى أيقونات النقل الحديث في مصر. من هنا، من داخل مبنى مركز السيطرة والتحكم بالعاصمة الإدارية الجديدة، يبدأ كل شيء، حيث تنبض التكنولوجيا بأدق تفاصيلها لتقود القطارات في مسارها دون سائق، ولتتحكم في كل باب يُفتح أو يُغلق، وكل رحلة تنطلق أو تتوقف.
المهندس عمر عبد العزيز أحمد، مسؤول مركز السيطرة والتحكم، اصطحبنا في جولة خاصة ليكشف لنا أسرار هذا الصرح العملاق. قال بثقة: "الورشة تضم 13 مبنى، من بينها مبنى التحكم والإدارة، ومبنى العمرة الخفيفة والجسيمة، بالإضافة إلى مباني مخصصة لمكافحة الحريق والتغذية الكهربائية، وأخرى للفحص والمغسلة."

وأكد المهندس عمر خلال حديثه لـ "نيوز رووم"، أن هناك مبنى ضخم مخصص لتخزين القطارات، يتسع حاليًا لـ 40 قطارًا، ومن المخطط أن يصل مستقبلًا إلى 99 قطارًا بعد تنفيذ التوسعات الجديدة، حيث سيتكون القطار الواحد من 8 عربات بدلًا من 4، ما يعكس الرؤية المستقبلية لاستيعاب النمو المتزايد في حركة الركاب.

يتابع المهندس عمر حديثه قائلًا التميز الأكبر في مشروع المونوريل هو التشغيل بدون سائق. فمن داخل غرفة التحكم هنا، يتم التحكم في مسار القطارات بدقة، بداية من تشغيلها مرورًا بفتح وغلق الأبواب، وحتى تشغيل أبواب الأمان الموجودة على أرصفة المحطات، وهي تجربة تُطبق لأول مرة في مشروعات النقل المصرية. التحويلات أيضًا تُدار إلكترونيًا، سواء تلك الموجودة بطول الخط أو داخل الورشة، حيث تم تجهيز 8 تحاويل في منطقة الورشة وحدها لتغيير مسارات القطارات بين التخزين وأعمال الصيانة.

انتقلنا بعد ذلك إلى مبنى العمرة الخفيفة والجسيمة، حيث كان في استقبالنا المهندس يوسف عاصر، مسؤول الأعمال الميكانيكية بالمشروع. قال لنا: "هنا تبدأ رحلة القطار في الصيانة، بدءًا من الفحص الشامل لعجلاته عبر جهاز متخصص، مرورًا بالتأكد من أنظمة التغذية الكهربائية عبر القضيب الثالث، وصولًا إلى إصلاح أي عطل يظهر سواء في البطاريات أو الفلاتر أو الزجاج أو المقاعد."
يواصل المهندس يوسف حديثه قائلًا داخل هذا المبنى، تعمل الأوناش الحديثة والروافع الهيدروليكية على رفع القطارات أو تغيير عجلاتها وبواجيها، في مشهد يضاهي ما يحدث في كبريات ورش المونوريل حول العالم. وتتم العمرات وفق جداول زمنية ومسافات مقطوعة محددة بدقة، بما يضمن جاهزية القطار للعمل في أي وقت.

فيما يؤكد المهندس يوسف أنه عقب انتهاء أي عمرة، يُنقل القطار إلى مبنى المغسلة "مبنى 5"، حيث يخضع لعملية تنظيف شاملة، ثم يُعاد إلى منطقة التخزين في انتظار تشغيله. لكن قبل ذلك، هناك محطة فاصلة لا بد أن يمر بها: سكة الاختبارات. هنا يخضع القطار لفحص نهائي صارم، يتم خلاله اختبار الأنظمة كافة للتأكد من سلامته وجاهزيته للانطلاق على المسار الخدمي المخصص للركاب.
المشهد العام داخل ورشة مونوريل شرق النيل يعكس حجم الطموح الذي تحمله الدولة في مجال النقل الحديث. فكل مبنى هنا يؤدي دورًا تكامليًا، بدءًا من الفحص والصيانة وحتى التخزين والتشغيل. أما مركز السيطرة والتحكم فهو بمثابة القلب النابض، حيث يتم من خلاله متابعة أدق تفاصيل حركة القطارات على مدار الساعة.

وبينما كنا نغادر المكان، بدت الصورة واضحة: نحن أمام نقلة نوعية في مشروعات النقل، مشروع يضع مصر على خريطة الدول التي تمتلك أحد أحدث أنظمة المونوريل في العالم، مشروع لا يقتصر دوره على نقل الركاب فحسب، بل يمثل نموذجًا للتكنولوجيا والتخطيط الحديث.
بهذا، يصبح مونوريل شرق النيل ليس مجرد وسيلة مواصلات جديدة، بل عنوانًا لمرحلة جديدة من التطوير العمراني والخدمي في مصر، حيث تتحرك القطارات بدقة وهدوء، يقودها عقل إلكتروني من داخل مركز تحكم، لترسم ملامح مستقبل يليق بمكانة البلاد.