عاجل

«إذا ابتليتم فاستتروا».. أزهرية توجه رسالة بشأن أكاديمية الرقص الشرقي

 الدكتورة روحية مصطفى
الدكتورة روحية مصطفى

قالت الدكتورة روحية مصطفى أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق، وعضو محكم في اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر، إن القيم والهوية خطوط حمراء أمام أكاديمية الرقص الشرقي. 

خطوط حمراء أمام أكاديمية الرقص الشرقي

وتابعت: قالت -دينا-: الرقص ليس مجرد حركة للجسد، بل هو فن ورسالة، بل يُعتبر علاجًا للاكتئاب، ومشروعًا يحمل على عاتقه أن يُقدَّم للعالم في صورة وطنية راقية، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة إنشاء مدرسة للرقص الشرقي ، هدفها – كما ذكرت مؤسِّستها – أن تقدّم فنًا حقيقيًا بمعايير عالمية، مشروعًا تصفه بأنه ثمرة سنوات من العمل والخبرة، ليتحوّل إلى أكاديمية تُعَد مشروعًا وطنيًا قادرًا على جذب طلاب من الخارج والداخل خاصة الأطفال ؟! ، وليصبح الرقص – على حد وصفها – جزءًا من قوى مصر الناعمة، بأمل تخريج جيل من الراقصات والراقصين المحترفين الممثلين لمصر عالميًا.

لتواصل أستاذ الفقه بالأزهر حديثها بالقول: غير أن هذا الطرح يثير تساؤلات مشروعة: أي فن نُقدّم للعالم؟ وبأي معايير نُعرّف الوطنية؟ وهل يصبح تخريج جيل من الراقصين المحترفين هو الغاية التي تليق بأن تُمثل مصر حضاريًا أمام العالم؟ أم أن القوة الناعمة لمصر أوسع وأعمق من أن تُختزل في متعة بصرية؟

وتابعت: لا شك أن لكل إنسان حرية فيما يقول ويفعل، ما دامت عواقب أفعاله لا تجر ضررًا على المجتمع. وبعيدًا عن الجدل حول تلك المدرسة أو الأكاديمية وما ترفعه من شعارات قومية وعالمية كما عرضتها مؤسِّستها، فإن ما أؤمن به بعمق أن العلاج الأسمى لأمراض النفس لا يُلتمس في الرقص ولا في أي فن آخر، بل في نور القرآن الكريم وهدايته. ألم يقل الحق سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ سورة الرعد: 28.، فإذا اطمأن القلب ورضي، فأي اكتئاب يبقى بعد الطمأنينة، وأي حزن يظل قائمًا أمام سكينة الذكر؟

وأضافت: بل أؤمن أيضًا أننا في حاجة ماسّة إلى تخريج جيل يمثل مصر قوميًا وعالميًا، لا في الرقص والفنون الجسدية، بل في ميادين العلوم الإنسانية والدينية والعملية، جيلٌ ينهض على خطى العظماء من أبناء هذا الوطن؛ كأحمد زويل ويعقوب في ميادين العلم، وكطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ في ميادين الأدب والفكر، ونماذج شامخة في الفكر والوعي الديني كالإمام محمد متولي الشعراوي، وفي الدراسات الأدبية والقرآنية كالدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ). هؤلاء وغيرهم من أعلام مصر في العصر الحديث هم من صنعوا للأمة رصيدًا حضاريًا يبقى أثره ماثلًا في الذاكرة، ويشهد بأن القوة الناعمة الحقيقية للأمة هي العلم والفكر والإبداع الأصيل.

وأكدت أن القوى الناعمة التي ينبغي أن تُعزز دور مصر في الخارج ليست في ترويج أجساد الراقصين والراقصات، وإنما في رسالة الكلمة، مقروءة كانت أو مسموعة، وفي الفن الراقي الذي يصون الذوق ولا يخدش حياء المتلقي، بل يعكس هموم الناس وقضاياهم ويقدّم حلولًا بنّاءة لها، ألم تُحدث الكلمة الصادقة يومًا ما لم تُحدثه السياسة؟ وكم من قانون تغيّر بعدما جسّد عمل فني مشكلة حقيقية يعاني منها قطاع من المجتمع، فجاءت الاستجابة بتقنين قوانين تُعالج تلك الأزمات وتستجيب لمطالب الناس. هنا تكمن القوة الناعمة، في رسالة الفن الذي يرفع وعي الأمة، لا الذي يحصرها في جسدٍ متمايل أو صورة سطحية عابرة.

وأشارت إلى أن عملة مصر الحقيقية ليست في صورة تُسوَّق للعالم عبر جسد راقص، بل في سواعد أبنائها، وفي قدراتهم الذهنية والإبداعية التي تصنع حضارة وتبني أمة، ولدينا على أرض الواقع نموذج واضح للقوة الناعمة المصرية التي تجذب الطلاب والدارسين من شتى بقاع الأرض، وهي جامعة الأزهر؛ هذا الصرح العريق الذي ينشر منهجه الوسطي المستمد من وسطية الإسلام، عبر أبنائه الوافدين الذين يصبحون سفراء له في بلدانهم بعد عودتهم، تلك هي القوة الناعمة الحقيقية التي تعزز مكانة مصر وتؤكد ريادتها في نشر العلم والمعرفة، وحماية هوية الأمة وتاريخها، فالمعرفة والفكر والوسطية المستنيرة هي التي تبني الأمم وتؤثر في الوجدان العالمي، لا مشاريع تُختزل في تسويق الرقص بوصفه رسالة قومية.

واختتمت بالقول: نحن لا نحتاج إلى العري أو التفسخ أو الميوعة في بناتنا وأبنائنا، ولن نرضى أن يُختزلوا في صورة سنّارة لجذب مزيد من الباحثين عن المتعة البصرية العابرة ، وإن وُجدت في مصر مدارس لتعليم الرقص كما يدّعي مروّجو هذه الأكاديمية عبر وسائل الإعلام، فالحقيقة أن عامة الناس لا يعلمون عنها شيئًا؛ ولعلها توارت خجلًا، مصداقًا لقول النبي ﷺ:إذا ابتليتم فاستتروا. الحاكم بإسناد صحيح 

وشدد: إن ما نريده حقًا هو مدارس تُعلِّم أبناءنا الخُلق والفضيلة والحشمة، وتتماهى مع أخلاق المجتمع وعاداته وتقاليده، مدارس تُخرّج رجالًا ونساءً قادرين على خدمة مصر وأهلها، وإبراز وجهها المشرّف أمام العالم بأسره، أما أن يُؤسَّس مشروع يقوم على العري والميوعة وتجارة المتعة البصرية، فهذا ما لا يمكن قبوله ولا الاعتراف به، بل الواجب أن يُواجَه بالرفض والتصدي حمايةً لهوية أبنائنا وصونًا لأمن وطننا ، فمصر تُبنى بالأخلاق والعلم قبل أن تُزيَّن بالفنون، وقوتها الناعمة في فكرها وفضيلتها لا في عُريها وميوعتها.

تم نسخ الرابط