هل يجوز للحائض دخول المسجد والمكوث فيه؟.. اعرفي الحكم الشرعي

هل يجوز للحائض دخول المسجد والمكوث فيه؟، سؤال أجابته الدكتورة روحية مصطفى أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق، وعضو محكم في اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر.
حكم دخول الحائض للمسجد والمكوث فيه
وقالت إن الحيض أمر جُبلت عليه بنات حواء، وهو في حد ذاته علامة بلوغ الأنثى وخصوبتها، مضيفة: لأن المرأة تتعرض للألم في فترة نزول الدورة الشهرية، خفف عنها الشارع الحكيم العبادات البدنية مثل الصيام، والصلاة، والطواف (لأنه صلاة)، والعلاقة الزوجية، وهذا من رحمة الله تعالى بالنساء، وليس لعلة نجاسة المرأة في هذه الفترة؛ فالمؤمن لا ينجس كما قال من لا ينطق عن الهوى.
وتابعت: فإذا كان ذلك كذلك، فهل يجوز لها أن تدخل المسجد وتمكث فيه وهي حائض لتحصيل العلم، أو لشهود الصلاة، أو للاستراحة، أو لأي سبب كان؟؛ أقول: الراجح من خلاف أهل العلم أنه يجوز للمرأة أن تدخل المسجد وتمكث فيه، وهو قول المزني صاحب الإمام الشافعي، وقول أحمد (واشترط لها الوضوء)، وابن حزم، وذلك للآتي:
١- لم يرد نص في القرآن الكريم يمنع الحائض من دخول المسجد، وقياس الحائض على الجنب في المنع قياس مع الفارق؛ لأن الجنب يستطيع أن يرفع جنابته في لحظة، إن لم يكن بالغسل فبالتيمم عند عدم الماء أو تعذر استعماله، أما الحائض فلا، حيث لا يمكنها رفع حيضها من نفسها.
٢- لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح صريح يمنع الحائض من دخول المسجد أو المكوث فيه، بل الأدلة في الجواز أقوى.
٣- ما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" ضعفه جمع من العلماء مثل الإمام البخاري وابن تيمية وغيرهما، فلا يصح الاستدلال ولا الاعتماد عليه في التحريم.
٤- المرأة لا تحيض من يدها أو قدمها حتى تمنع من دخول المسجد، فقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة: "ناوِلِينِي الخُمْرَةَ (السجادة) من المَسجدِ" قالت: فقلت: إني حائض، فقال: "إنَّ حيضَتَكِ ليست في يدِكِ" (رواه مسلم).
٥- لو نظرنا إلى العلة التي بنى عليها الفقهاء الذين حرموا على الحائض دخول المسجد والمكوث فيه، نجدها لا أثر لها اليوم، حيث ذهبوا إلى أن سبب المنع هو الخوف من تلويث المسجد بدم الحيض؟!
وبكل تأكيد هذه العلة غير موجودة اليوم؛ بما أنعم الله علينا به من اتخاذ التدابير اللازمة لذلك، وكما قال أهل العلم: الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدماً، يوجد بوجودها وينعدم بانعدامها، ولأن هذه العلة منعدمة، فينعدم هذا الحكم.
٦- صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في موسم الحج دخل على السيدة عائشة فوجدها تبكي، فقال لها: "أنفستِ؟ (أي: أجاءك الحيض)"، قالت: نعم. فقال لها: "افعلي كل شيء يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت" (رواه البخاري). وهذا من أقوى الأدلة على أنه لا حرج على الحائض من دخول المسجد والمكث فيه؛ لأن المعلوم أن الحاج تتعدد عباداته في هذا الموقف من دخول المسجد، والجلوس فيه، وقراءة القرآن الكريم، والذكر، والسعي... إلخ، ومنعت من الطواف؛ لأنه صلاة، إلا أنه يباح الكلام فيه.
٧- السيدة التي كانت تخدم المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تقيم فيه حتى ماتت، فكانت ولا شك تحيض وهي في المسجد، ولم يرد أن النبي منعها من دخول المسجد وهي حائض.
٨- وصح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه أمر النساء يوم العيد بقوله: "ليخرجن العواتق وذوات الخدور... ويعتزل الحُيَّضُ المُصَلى" (رواه البخاري)، أي تخرج النساء لشهود دعوة الخير، ويعتزلن الصلاة، وليس موضع الصلاة.
٩- وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الأمة التي أسلمت وكان لها خباء بالمسجد: "أن وليدة سوداء كانت لحَيٍّ من العرب فأعتقوها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فكان لها خباء في المسجد" (رواه البخاري). فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمعهود في النساء الحيض، فما منعها عليه السلام من ذلك ولا نهى عنه، وكل ما لم ينه صلى الله عليه وسلم عنه فمباح.
١٠- وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "جعلت لي الأرض مسجدًا" (رواه البخاري)، ولا خلاف أن الحائض مباح لها جميع الأرض، وهي مسجد، فلا يجوز أن يخص بالمنع من بعض المساجد دون بعض.
١١- أنه لم يرد دليل صحيح صريح ينهى الحائض عن دخول المسجد، والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل يحرم.
والأقرب جمعًا بين الأدلة: أن الأصل الجواز، لكن خروجًا من الخلاف وأخذًا بالأورع: الأولى للحائض أن لا تمكث في المسجد إلا عند الحاجة، قال تعالى: ( ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (الحج : 32 ) وإن احتاجت إلى ذلك فلا حرج عليها كأن تكون عاملة تخدم المسجد أو متعلمة أو معلمة أو نحو ذلك.