المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية يحتفي بذكرى "منارة التلاوة" الشيخ محمد الصيفي

احتفى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بصفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” بذكرى القارئ الكبير الشيخ الصيفي، أحد أعلام دولة التلاوة المصرية، الذي ترك بصمة خالدة في تاريخ الأداء القرآني بصوته الندي وأسلوبه المتميز الذي جمع بين الخشوع والإتقان.
جاءت هذه الذكرى لتؤكد على مكانة الشيخ الصيفي في قلوب محبيه، إذ ظل صوته يصدح عبر المساجد والإذاعات والفعاليات الدينية، ناقلًا المصلين والمستمعين إلى أجواء إيمانية عامرة.
من رموز المدرسة المصرية في التلاوة
والاحتفاء لم يكن مجرد قارئ للقرآن، بل كان رمزًا من رموز المدرسة المصرية في التلاوة، تلك المدرسة التي أبهرت العالم بدقة مخارج الحروف، وروعة التنغيم، وعمق التأثير الروحاني. وقد أجمع الحاضرون أن ذكراه ستظل ماثلة في الأذهان، وأن صوته العذب ما زال حاضرًا بين الناس، يلهب القلوب بخشوعه، ويغمر الأرواح بالسكينة والطمأنينة.
الاحتفاء بذكرى الشيخ الصيفي جاء أيضًا ليعبر عن وفاء المؤسسات الدينية المصرية لأعلامها، وتقديرها لعطائهم الكبير في خدمة كتاب الله، وترسيخ رسالة الوسطية، وتربية الأجيال على محبة القرآن الكريم.
الشيخ محمد الصيفي.. صوت من ذهب ومرجع القراء
عُرف الشيخ محمد الصيفي كأحد أعمدة دولة التلاوة المصرية، وواحد من أبرز القرّاء الذين جمعوا بين الفقه والقراءات، وبين الأداء الخاشع والدقة العلمية؛ حتى لُقّب بـ**"القارئ العالِم"**، وخلّد اسمه في تاريخ التلاوة القرآنية.
وُلد الشيخ في قرية البرادعة بمحافظة القليوبية عام 1885م، وحفظ القرآن الكريم صغيرًا في كُتّاب القرية، وأتمه وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره. ثم مضى في طريق العلم بهمة واجتهاد، حتى انتقل عام 1904م إلى القاهرة، حيث استقر في حي العباسية، والتحق بالأزهر الشريف.
في جامعة الأزهر، التحق بكلية الشريعة والقانون، وتخرج فيها عام 1910م، ليبدأ بعدها مسيرة علمية فريدة، جمع خلالها بين العلوم الشرعية وعلوم القرآن والقراءات، مع التلقي المباشر عن كبار مشايخ عصره؛ وأسّس مدرسة قرآنية خرّجت كبار القرّاء، أبرزهم الشيخ كامل يوسف البهتيمي، كما كان مرجعًا لعدد كبير من القرّاء الذين تتلمذوا على يديه.
الجد والاجتهاد في الطلب
بدأ بحفظ القرآن في سن مبكرة، وواصل طلب العلم الأزهري حتى نال التخرج، ثم أتقن القراءات العشر الكبرى، وجمع بين الدراسة النظامية والتلقي عن المشايخ، فكان قارئًا متقنًا وعالمًا راسخًا.
الإتقان في الأداء والتمكّن في العلم
لم يكن الشيخ قارئًا بصوت جميل فحسب، بل كان نموذجًا فريدًا في الجمع بين جلال الأداء ودقة العلم، واشتهر بقراءاته الخاشعة المؤثرة التي أسر بها القلوب، حتى لقّبه الناس بـ"أبي القرّاء".
جمعت الشيخ علاقات طيبة مع رموز دولة التلاوة، منهم الشيخ علي محمود والشيخ طه الفشني، وكان أكثرهم قربًا إلى قلبه الشيخ محمد رفعت، حيث شاركه التلاوة في الإذاعة المصرية، وظل بينهما ودٌّ عميق أساسه محبة القرآن.
بصمته في الإذاعة ورسالة القرآن إلى العالم
امتازت تلاوات الشيخ بالخضوع والتأثير، ولم تكن حبيسة جدران المساجد، بل انطلقت من الإذاعة المصرية إلى إذاعات لندن وبرلين وموسكو، شاهدةً على عالمية رسالة القرآن. كما كان من أوائل من قرأوا في الإذاعة المصرية بعد إنشائها، وشارك في افتتاح إذاعة القرآن الكريم، ما رسّخ مكانته كرمز قرآني خالد.
الختام
في سبتمبر من عام 1955م، توفي الشيخ محمد الصيفي عن عمر ناهز السبعين عامًا، تاركًا إرثًا علميًّا وروحيًّا خالدًا، وصوتًا ما زال يتردّد صداه في أرجاء العالم الإسلامي، شاهدًا على إخلاصه وعلمه وأصالته المصرية في تلاوة كتاب الله.