الطفل ليس ملكية خاصة.. هل حان وقت تجريم الضرب في البيوت؟

في يونيو 2025، وفي إحدى عمارات مدينة العاشر من رمضان، وقف طفل لا يتجاوز السابعة من عمره داخل بلكونة منزله، باكيًا بصوت مبحوح، بينما تتساقط على جسده الصغير ضربات متتالية من والديه، كان المشهد صادمًا للجيران الذين سمعوا صراخه ولكل من شاهد مقطع الفيديو الذي أنتشر بسرعة الصاروخ علي مواقع السوشيال ميديا، وأثار موجة غضب عارمة بين المتابعين.
القصة لم تنته عند صرخات الطفل، لكنها أعادت فتح ملف شائك: حق الآباء في "تأديب أبنائهم" مقابل حق الأطفال في حياة آمنة بلا عنف.

"أنا اتربيت بالضرب وطلعت راجل"
قال (م-ر): "الضرب مش معناه تعذيب. أنا اتربيت وأنا صغير على الضرب وطلعت راجل كويس، عشان اتعلمت إن الغلط ليه عقاب، وماينفعش يتكرر.. دلوقتي لما ابني يعمل غلطة كبيرة، لازم يعرف إن فيه حدود وعقاب، مش لأني بكرهه أو عايز أؤذيه، لكن من غير شدة الولد ممكن يضيع."
وأكد أنه ضد ضرب الطفل تحت سن الـ10 سنوات، ولكنه مؤيد فيما فوق الـ10 أعوام، مستندًا لحديث الرسول صل الله عليه وسلم " مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ، واضرِبُوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سنينَ، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع".
وعن فكرة إصدار قانون يجرّم ضرب الأبناء، رد مستنكرًا: "يعني لما أضرب ابني يعمللي محضر ويوديني السجن؟ كده أنا هتكسر قدامه، وأضطر أترجاه عشان يتنازل!".
وتابع: لو أُصدر هذا القانون سنواجه جيل جديد لا يعرف سوي الاستهتار وقلة الحياء.
حكم الشرع: ضوابط صارمة لا انتقام

الإسلام لا يشجع على الضرب كأسلوب رئيسي في التربية، بل يوصي بالرفق، ويضع ضوابط صارمة إذا اضطر المربّي لاستخدام الضرب كوسيلة للتأديب لا للإهانة أو الانتقام، الدليل على ذلك ما ورد في الحديث النبوي: "مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ، واضرِبُوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سنينَ، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع".
هذا الحديث لا يُفهم على أنه تحريض على الضرب، بل يوضح أنه آخر وسيلة بعد ثلاث سنوات من التعليم والتوجيه، مما يؤكد على ضرورة الصبر والتدرج في التربية.
وهناك ضوابط وضعها الفقهاء للضرب التربوي:
1. أن يكون بعد استنفاد كل وسائل التربية الأخرى.
2. ألا يكون مبرحًا أو يترك أثرًا جسديًا أو نفسيًا.
3. ألا يكون على الوجه أو الأماكن الحساسة.
4. ألا يُستخدم أثناء الغضب.
5. أن يكون بهدف الإصلاح لا الإهانة.
6. أن لا يُمارس أمام الآخرين حفاظًا على كرامة الطفل.
آراء المذاهب الأربعة:
• المالكية والشافعية والحنفية أجازوا الضرب الخفيف بشروط صارمة، على أن لا يتجاوز ثلاث ضربات.
• الحنابلة شددوا على أن الضرب لا يُستخدم إلا عند الضرورة، ويكون بقدر محدود لتقويم السلوك.
الطب النفسي: "الضرب يولّد شخصية تصادمية"

قال الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي: أن شخصية الإنسان تنشأ من خلال ثلاثة عناصر وهي الوراثة من 10% إلي 15% ثم التربية من الصغر من %70 إلي 80% والخبرات الحياتية من 10% إلي 15% لذلك الأساس في تربية الطفل.
وأضاف "فرويز" في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن الطفل عندما يتعرض للضرب أو العنف أو الإهانة أو التعنيف والتقليل من الذات والمقارنة بطفل غيره كل ذلك يؤثر على شخصيته، وإذا هناك أي جانب وراثي لمرض نفسي تؤثر هذه العوامل والتربية السلبية في تنشيط هذا المرض والاضطراب النفسي للطفل.
وتابع: "عندما يتعرض الطفل للإهانة والتعنيف يحدث للطفل انطواء ويبدأ في الاضطراب في الطعام والنوم والتواصل مع الآخرين ما يدخله في مرض الاكتئاب، وهناك أشخاص آخرى يأثر ذلك عليهم في عملية تعويضية ينعكس ذلك ويحدث للطفل عند الكبر تطاول وعنف حتي يصل إلي ضرب الوالدين أو زمايله وهنا يسمى بالشخصية التصادمية وتحتك بكل ما يمثل لها سلطة سواء الأب أو المعلم في المدرسة أو شرطي في الشارع أو مديره في المدرسة".
واختتم جمال فرويز: أن المعاملة السيئة للطفل تصنع اضطراب سواء انطوائية أو تصادمية بسبب ما مر به الطفل في أول مراحله العمرية.
البرلمان يتحرك: تشريع لمكافحة العنف الأسري

أكدت النائبة أمل سلامة، عضو مجلس النواب، أنها ستتقدم خلال الانعقاد المقبل بمشروع قانون جديد لمكافحة العنف الأسري خلال دور الانعقاد القادم، موضحًة أن المشروع سيتضمن للمرة الأولى تجريم ضرب الآباء للأبناء باعتباره شكلاً من أشكال العنف غير المقبول داخل الأسرة.
وأوضحت "سلامة" في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن العنف مرفوض في كل العلاقات الأسرية، سواء بين الزوج وزوجته أو بين الإخوة أو بين الآباء وأبنائهم، مشيرة إلى أن الضرب لا يجوز أن يُبرر تحت ذريعة "التأديب أو التربية".
وأضافت أن بعض الحوادث الأخيرة كشفت عن انتهاكات خطيرة بحق الأطفال، وصلت إلى حد الحبس والتعذيب داخل المنازل، وهو ما يستوجب مواجهة حاسمة بالقانون لحماية حقوق الأطفال ومنع تكرار مثل هذه الجرائم.
وأشارت النائبة إلى أن التشريع الجديد يأتي استكمالًا لمشروع قانون سبق أن تقدمت به بشأن حماية الزوجة من العنف، مؤكدًة أنه سيتم تطويره ليشمل كافة أشكال العنف الأسري، بما فيها العنف ضد الأبناء.

وفي نفس السياق، قالت النائبة نجلاء العسيلي عضو مجلس النواب، إن فكرة تجريم ضرب الأبناء من جانب الآباء والأمهات أصبحت مطروحة بقوة على الساحة المجتمعية والتشريعية في مصر، باعتبارها جزءًا أساسيًا من منظومة حماية الطفل ورعاية الأسرة.
وأكدت النائبة، أن الضرب لم يعد وسيلة تأديب كما كان يُنظر إليه في الماضي، بل تحول إلى مشكلة تُفرز جيلًا يعاني من اضطرابات نفسية وسلوكية قد تؤثر على استقرار المجتمع بكامله.
وأضافت العسيلي في تصريحات خاصة لـ"نيوز روم، أن البرلمان سبق وأن ناقش هذه القضية في أكثر من مناسبة، سواء في إطار مناقشات عامة أو خلال جلسات استماع بلجان حقوق الإنسان والتضامن والتعليم، حيث شدد عدد كبير من النواب والخبراء وقتها على أن العنف البدني ضد الأطفال يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا، لافتة إلى أن هذه النقاشات أثبتت أن المجتمع المصري بحاجة إلى إطار قانوني يجرم هذه الممارسات ويضع ضوابط واضحة للتعامل معها.
وأوضحت أن دراسات طبية ونفسية أكدت أن الأطفال الذين يتعرضون للضرب بانتظام أكثر عرضة للإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، فضلًا عن احتمالية إصابتهم بعاهات مستديمة نتيجة للعنف الجسدي، مشيرة إلى أن هذه الآثار السلبية لا تتوقف عند مرحلة الطفولة بل تمتد إلى حياتهم العملية والاجتماعية مستقبلًا.
وشددت العسيلي على أن الأمر لا يقتصر على حماية حقوق الطفل فحسب، وإنما يتعلق أيضًا بتأثير مباشر على الأمن القومي، فالمجتمع الذي ينشأ أفراده على القهر والعنف يعاني لاحقًا من زيادة معدلات الجريمة والتفكك الأسري. وقالت: "إذا كنا نتحدث عن بناء الجمهورية الجديدة، فإن نقطة البداية الحقيقية تكمن في حماية الطفل وتوفير بيئة أسرية قائمة على الحوار والاحترام المتبادل."
كما لفتت النائبة إلى أن العديد من الدول المتقدمة سبقتنا في هذا المجال، حيث وضعت قوانين صارمة لتجريم ضرب الأبناء داخل الأسرة، وهو ما ساهم في تعزيز السلوكيات الإيجابية وتراجع معدلات العنف المجتمعي. وأضافت: "الأسرة المصرية بحاجة إلى الاستفادة من هذه التجارب الدولية، لكن بما يتناسب مع ثقافتنا وظروفنا الاجتماعية."
وأشارت إلى أن الحديث عن تجريم الضرب لا يعني مطلقًا إلغاء سلطة الآباء في التربية أو الانتقاص من دورهم، بل يهدف إلى وضع قواعد تضمن أن عملية التربية لا تتحول إلى ممارسات عنيفة تؤدي إلى نتائج مدمرة. وأكدت أن البدائل التربوية الحديثة تقوم على احتواء الأبناء والتواصل معهم، لا على إخافتهم أو إيذائهم جسديًا.
وأكدت العسيلي أن البرلمان سيظل ساحة مفتوحة لمناقشة مثل هذه القضايا الحيوية، معتبرة أن إثارة هذا الملف مجددًا هو مؤشر على أن المجتمع بدأ يدرك أن العنف الأسري لم يعد مقبولًا في ظل التطورات العالمية، وأن حماية الطفل ليست مجرد ترف أو خيار، بل التزام حقيقي يرتبط بمستقبل الدولة واستقرارها.
تجارب عالمية: صفر تسامح مع العنف

النقاش في مصر ليس جديدًا على المستوى العالمي، فدول عدة سبقت إلى حظر ضرب الأبناء داخل الأسرة:
أوروبا: السويد كانت أول دولة (1979)، تبعتها فنلندا والنرويج والنمسا، ثم ألمانيا (2000)، وإسبانيا (2007)، وفرنسا (2019).
أمريكا الجنوبية: البرازيل والأرجنتين وبوليفيا (2014)، وتشيلي (2007).
آسيا: الصين (2016)، اليابان (2020)، كوريا الجنوبية (2021)، الفلبين (2023).
أفريقيا: تونس وكينيا (2010)، والرأس الأخضر (2013).
هذه الدول لم تكتف بالتجريم القانوني، بل أطلقت برامج دعم للآباء لتعليمهم بدائل للعقاب البدني، مثل الحرمان المؤقت من الامتيازات، أو استخدام التعزيز الإيجابي، أو الحوار المباشر، النتائج أظهرت انخفاضًا ملحوظًا في معدلات العنف الأسري والجريمة المجتمعية.
السؤال هنا: هل نحن مستعدين لقبول تشريع يمنع الضرب في البيوت؟ وهل البدائل التربوية كافية؟