ما حكم توبة السارق إذا كان لا يستطيع رد ما سرق؟.. إليك كيفية إبراء الذمة

ما حكم توبة السارق إذا كان لا يستطيع رد ما سرق؟، من الأسئلة التي يكثر البحث عن جوابها ونستعرضه من خلال بيان الحكم الشرعي.
السرقة في الإسلام وحكمها
السرقة في الجملة تعتبر من الكبائر -بحسب دار الإفتاء، مشيرة إلى أن الإسلام شدد في عقوبة السرقة وحد لها حدًّا زاجرًا؛ حتى يرتدع كل من تسول له نفسه أن يتعدى على أموال الآخرين وحقوقهم، وحث المسلم على العمل والكسب الحلال الطيب حتى يقبل الله تعالى أعماله وحتى لا يخضع لعقاب الله وعذابه يوم القيامة، ودللت الأمانة على ذلك بعدة أدلة منها ما جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: "أَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ" (أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان").
حد السرقة وشروط تطبيقه على السارق
ولفتت الفتوى إلى شروط يجب توافرها في جريمة السرقة، وهذه الشروط تتمثل في خمسة أمور: هي أن يكون مكلفًا، وأن يقصد فعل السرقة، وألا يكون مضطرًّا إلى الأخذ، وأن تنتفي القرابة بينه وبين المسروق منه، وألا تكون عنده شبهة في استحقاقه ما أخذ.
وإذا تخلف شرط من تلك الشروط السابقة لا يقام على السارق الحد؛ لأن الحدود تُدرأ بالشبهات؛ لكن يعاقب من ثبتت عليه جريمة السرقة غير مكتملة الشروط بالتعزير حسب القانون وما يقرره القاضي، ووفقًا لجسامة الجريمة وخطورة الجاني، ودللت على ذلك بأدلة منها ما جاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» (أخرجه الترمذي).
ما يجب على السارق للتوبة؟
وأكدت الإفتاء بأنه يجب على السارق التوبة إلى الله تعالى، وأن يبرئ ذمته من حقوق العباد التي أخذها بغير وجه حق، وإبراء الذمة من المسروقات يكون بردها إلى أصحابها -إن كانت باقية في يد السارق- ويكون برد المثل أو القيمة عند تلف المسروقات أو فقدانها؛ ذلك لأن من المقرر شرعًا أن التوبة من حقوق العباد لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء؛ فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه). وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» (أخرجه البخاري).
كيفية إبراء السارق ذمته من المسروقات
وحددت كيفية إبراء السارق ذمته من المسروقات، ورد المظالم إلى أهلها بأنه يجب على التائب أن يرد الحقوق المادية لأصحابها، فإن لم يجدهم ردها لورثتهم، فإن عجز عن إرجاعها لعدم معرفته بأصحاب هذه الحقوق فليتصدق بها عنه.
وأوضحت أنه في حالة إذا ما خشي الإنسان من حدوث مضار إذا رد الحقوق لأصحابها كفتنة أو تشهير بسوء السيرة، أو قطع لصلة الرحم، ونحو ذلك؛ جاز له أن يعيد الحق إلى أصحابه بطريقة أو بأخرى من غير أن يخبرهم بما ارتكبه من السرقة، ولو كان الرد في صورة هدية ونحوها أو هبة مجهولة المصدر، أما الأشياء التي سرقها الإنسان في طفولته قبل البلوغ؛ فإنه لا يحسب له ذلك ذنبًا لعدم تكليفه في صغره؛ واستدلت الأمانة في ذلك بما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» (أخرجه أحمد)، لكن مع عدم كتابة الإثم على الصبي السارق وعدم استحقاقه العقوبة؛ فإن ذلك لا يسقط حق المجني عليه في استرداد ما أخذ منه، فيجب ضمان ما أخذه الصبي ورده إلى صاحبه إن كان باقيًا أو رد قيمته من مال الصبي إن تلف المسروق.
حكم من عجز عن رد الحقوق التي سرقها بعد التوبة
كما أوضحت دار الإفتاء أنه إذا عجز الشخص عن رد الحقوق التي سرقها بعد التوبة، فيجب عليه محاولة الوصول إلى أصحاب تلك الحقوق وإبلاغهم بعجزه عن رد المال، لعلهم يعفون عنه ويُسقطون حقهم، وإذا استحل أصحاب المال أن يتنازلوا عنه، برئت ذمته.
وأشارت إلى أنه في حال رفض أصحاب المال، فإن الدين يبقى واجبًا عليه، ويجب عليه دفعه لهم قدر استطاعته، سواء طال الزمن أو قصر، وإذا توفي الشخص قبل أن يستطيع سداد الدين، فإن الله تعالى سيتكفل بأداء دينه، كما جاء في الحديث الشريف: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه" (رواه البخاري).
حكم توبة من ارتكب الكبائر في شبابه
ردًّا على سؤال ورد إليها حول رجل ارتكب في شبابه عددًا من الكبائر مثل الزنا وشرب الخمر والقمار وأكل أموال الناس بالباطل، ولا يستطيع رد الحقوق لأصحابها، أن الواجب على المسلم في مثل هذه الحالة هو التوبة الخالصة وعدم المجاهرة بالمعصية التي سترها الله عليه.
وبيَّنت أن التوبة تتحقق بالندم الشديد على ما مضى، والإقلاع الفوري عن المعصية، والعزم الصادق على عدم العودة إليها مرة أخرى، مع الإكثار من الاستغفار، وقراءة القرآن الكريم، وأداء الصلوات، والإكثار من أعمال الخير والبر؛ اقتداءً بقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: 70].
واستشهدت دار الإفتاء بقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 53]، مؤكدة أن النصوص الشرعية جاءت واضحة في الحث على المسارعة إلى التوبة وعدم اليأس من مغفرة الله.
كما أوضحت أن الأعمال الصالحة من صدقةٍ وصومٍ وصلة رحمٍ وإحسانٍ للناس تعد وسائل عملية لمحو الخطايا ورفع الدرجات؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».
وختمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن الله سبحانه وتعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، وهو غافر الذنب وقابل التوب، داعيةً كل من وقع في معصية أو كبيرة إلى عدم التأخر في التوبة، والإكثار من عمل الخير، رجاءً في رحمة الله ورضوانه.