ما شروط التوبة في حق من ارتكب كبيرة من الكبائر.. وهل يجب الإخبار بالمعصية؟

من وقع في كبيرة من الكبائر أو غيرها، فإن الواجب عليه أن يستر نفسه بما ستره الله، وألا يُفشي أمره، حتى لا يكون من المجاهرين بالمعصية. وعليه أن يبادر بالتوبة النصوح؛ بالندم الصادق على ما ارتكب، والعزم على عدم العودة إليه، مع الإكثار من الاستغفار، والمحافظة على الصلاة، وتلاوة القرآن، والإكثار من أعمال البر؛ رجاء رحمة الله ومغفرته ورضوانه. فقد وعد الله التائبين بقوله: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: 70]، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» رواه أحمد
حديث القرآن الكريم والسنة النبوية عن التوبة
جاء في كتاب الله عز وجل دعوةٌ صريحة للتائبين بعد الإسراف في الذنوب، حيث قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53]. كما حث سبحانه عباده على المسارعة إلى مغفرته والفوز بجنته فقال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 133-135].
وقد سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أعظم الذنوب، كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه، فبيّن أن الشرك بالله، وقتل الولد خشية الفقر، والزنا بحليلة الجار من أكبر الكبائر، فنزل قول الله تعالى موافقًا لذلك: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا • يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا • إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا • وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: 68-71].
كما جاء في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا الناس إلى التوبة فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ» رواه أحمد، وبيّن حرصه على الاستغفار بقوله: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» رواه البخاري.
شروط التوبة في حق مرتكب الكبائر
التوبة الصادقة تقوم على الندم العميق على ما وقع من الذنوب، والعزم الجاد على تركها وعدم الرجوع إليها، مع الإكثار من الطاعات والقربات التي تجبر النقص وتمحو السيئات، كالاستغفار والصلاة وتلاوة القرآن وأعمال البر. وقد وردت نصوص كثيرة تحث على ذلك، منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «إِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ» رواه الطبراني، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» متفق عليه، وقوله أيضًا: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» رواه أحمد، وقوله: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ … إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط» رواه مالك، وقوله أيضًا: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» رواه أحمد.
وعليه، فمن ابتُلي بمعصية أو كبيرة فليتُب إلى الله توبة نصوحًا، وليحذر من المجاهرة بمعصيته بعدما ستره الله، وليحرص على الصدقة والإحسان، عسى أن يكون من المرحومين. ونسأل الله تعالى أن يتقبّل التوبة من عباده، فهو الغفور الرحيم، يحب التوابين ويحب المتطهرين، ويهدي من أناب إليه سواء السبيل