قوله تعالى: «فأسرها يوسف في نفسه».. معناها وفضل خلق التغافل

تقول الدكتورة فتحية محمود الحنفي، الأستاذ بجامعة الأزهر والخبيرة بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بكندا، خلال حديثها عن خلق التغافل في قوله تعالى: «فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ»: أي أن يوسف عليه السلام كتم ما كان يود قوله لإخوته ولم يُبْدِهِ لهم. وفعله هذا كان كَظْمًا للغيظ وتجَلِّيًا لحكمته؛ لأنه يعلم أن إخوته هم من فعلوا الشر الحقيقي، وأنهم الذين يستحقون الوصف الذي أطلقوه عليه.
خلق التغافل في قوله تعالى: «فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ»
وتابعت: هنا تجلّى خلقُ التغافل مع أنه في موطن القوة؛ فلم يردّ على إخوته بما يكرهون، فلم يفضحهم أو يُظهر لهم حقيقته بأنهم هم الذين اتهموه بالسرقة. لم يقابلهم يوسف بما يكرهون، بل أضمر في نفسه أنهم الأشرُّ مكانًا، وأن الله أعلَمُ بما يصفون.
وأضافت: التغافل أدبٌ رفيع وميزة من أخلاق الأنبياء؛ قال تعالى: «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامًا» (الزخرف: 89)، فكان ذلك إرشادًا للنبي ﷺ لئلا يدعو على قومه عند يأسه منهم، بل ليعفو ويصفح ويتغافل عن زلاتهم.
روي عن المقداد بنُ الأسود وأبي أمامة أن رسولَ الله ﷺ قال: «إنَّ الأميرَ إذا ابْتَغَى الرِّيبَةَ في الناسِ أَفْسَدَهُمْ» (مسند أحمد). ومن هنا الحثُّ على التغافل وعدم تتبُّع العورات.
قال ابن مفلح: قِيلَ للإمامِ أحمد: «العافيةُ عشرة أجزاءٍ، تسعةٌ منها في التغافل»، فقال: «العافيةُ عشرةُ أجزاءٍ كلها في التغافل».
وبينت أن التغافلُ من فنونِ التعاملِ مع البشرِ؛ لا يتقنهُ إلا كلُّ حليمٍ عاقلٍ، لأنه يضعُ صاحبهُ في مرتبةٍ عاليةٍ من الرقيِّ والسموِّ الأخلاقي، إذ إن تعمُّدَ الفعلِ فيه جَلْبٌ للمصلحةِ ودَرْءٌ للمفسدةِ.
وشددت الأستاذ بجامعة الأزهر والخبيرة بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بكندا، على أنَّ التغافل عن الأخطاءِ يساعد على نشرِ روحِ التسامحِ والتعاملِ بإيجابيةٍ، فضلاً عن أنه يُحسِّن التواصلَ ويُعزِّزَ الحبَّ والاحترامَ؛ فهو أداةٌ فعّالةٌ لتعزيزِ الروابطِ وتقويةِ العلاقاتِ بين أفرادِ الأسرةِ والمجتمعِ.