هل يجوز أن أخرج صدقة وأهب ثوابها لوالديَّ بعد موتهما، وما فضل ذلك؟

كثير من الأبناء يظلون بعد رحيل والديهم يبحثون عن وسيلة للتعبير عن الوفاء والبرّ، ويتساءلون: هل تنقطع صلة الولد بوالديه بوفاتهما، أم أن هناك أبوابًا ما زالت مفتوحة لإهداء الخير لهما؟ ومن أبرز ما يشغل الأذهان: حكم إخراج الصدقة عن الوالدين بعد موتهما، وهل يصل ثوابها إليهما؟ وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أن الله جعل برالوالدين والإحسان إليهما من أعظم الواجبات، وقرنه بعبادته في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، قال سبحانه:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۞ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24].
هل بر الوالدين ينقطع بعد موتهما ؟
وهذا التكليف الإلهي لا يقتصر على حياتهما، بل يمتد حتى بعد وفاتهما، فحق الوالدين لا ينقطع بالموت. فقد روى أبو داود عن الصحابي أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “هل بقي من بر والديَّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟”، فقال: «نعم؛ الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما».
ومن أعظم وجوه البر بعد الوفاة: الصدقة عنهما، لا سيما الصدقة الجارية التي يستمر نفعها. فقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إن أمي توفيت، أينفعها إن تصدقتُ عنها؟”، قال: «نعم»، فقال الرجل: “فإن لي بستانًا، أشهدك أني قد تصدقتُ به عنها».
وكذلك ورد في صحيح مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رجلًا قال: “إن أمي ماتت فجأة ولم توصِ، وأظن أنها لو تكلمت لتصدقت، فهل إن تصدقت عنها يكون لها أجر ولي أجر؟”، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «نعم». وروى مسلم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال: “يا رسول الله، إن أبي مات وترك مالًا ولم يوصِ، فهل يُكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟”، قال: «نعم».
ومن صور البر كذلك: قضاء ما فات الوالدين من صيام نذر أو كفارة، فقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه».
وهكذا يتضح أن بر الوالدين لا ينتهي بانتهاء حياتهما، بل يبقى بابًا مفتوحًا أمام الأبناء ليجددوا به العهد بالوفاء، وليصل إليهما نفع الدعاء والصدقة والعمل الصالح، جزاءً لما قدّماه من تضحية ورعاية في الحياة الدنيا.