ما حكم الشرع في الجلوس في الأماكن التي يتم فيها تعاطي المخدرات؟

في وقتٍ تتزايد فيه التحذيرات من آفة المخدرات وما تخلّفه من فساد ديني وأخلاقي وصحي واجتماعي، يبرز تساؤل خطير يهمّ كل مسلم: هل يجوز شرعًا الجلوس في أماكن يُتعاطى فيها المخدرات، حتى وإن لم يكن المرء شريكًا مباشرًا في هذا المنكر؟ وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أن الشرع الحنيف يحظر على المسلم أن يجلس في أماكن يُتعاطى فيها المخدرات؛ لما في ذلك من مشاركة ضمنية في المنكر وإقرارٍ له. كما أن الواجب على عموم الناس أن يخلصوا النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم –كما أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم– بالمساهمة في مكافحة هذه الآفة المدمرة، والتعاون على القضاء على أوكارها ومصادر انتشارها
حكم مجالسة أهل المعاصي
كرَّم اللهُ الإنسانَ ورفع منزلته عن مواطن الريبة والمهانة، وامتدح عباده الذين يتنزهون عن مجالس اللهو واللغو؛ فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 2]، وقال جل شأنه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص: 55].
كما روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: “نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ”.
والمستفاد من هذه النصوص أنَّ مجالسة مرتكبي المعاصي محرمة شرعًا؛ لأنها تمثل مشاركة معنوية في المنكر وإقرارًا له، فضلًا عن خطورتها على إيمان المسلم وسلوكه.
أثر الجليس في حياة الإنسان
شبَّه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السيئ بنافخ الكير، فقال: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ…» (متفق عليه).
فالجليس الصالح يذكّر بالله، ويعين على الطاعة، ويترك أثرًا طيبًا، أما جليس المعصية فإنه يُعْدِي بالأخلاق الفاسدة ويقود إلى الانحراف والهلاك.
حكم الجلوس في أماكن تعاطي المخدرات
المخدرات آفة مدمرة، تجمع بين أضرار الدين والدنيا. فقد نقل ابن حجر المكي في فتاواه الكبرى أن تعاطيها يورث أمراضًا بدنية وعقلية، ويُذهب الحياء، ويوقع في الكبائر، ويهدر الأموال والصحة، حتى عدَّها سببًا لخراب الأجساد والبيوت.
لذلك فإن الجلوس في أماكن تُتعاطى فيها المخدرات أو الخمور محرّم شرعًا؛ لما فيه من مشاركة ضمنية في الإثم، وفقدان للمروءة، وانتقاص لكرامة المسلم.
خطورة مصاحبة متعاطي المخدرات
من يصاحب أهل المعاصي يُعرّض نفسه لغضب الله، إذ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [الممتحنة: 13].
فمصاحبة متعاطي المخدرات ليست مجرد مخالطة عابرة، بل هي مشاركة وجدانية ومعنوية في معصيتهم. وقد أمر الله المؤمنين بالبراءة من أهل الفجور والفساد، فقال: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: 22].
واجب المسلم تجاه المنكرات
المؤمن مأمور بمكافحة المنكرات قدر استطاعته؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» (رواه مسلم).
وعليه، فمن لم يستطع إنكار المنكر فعلى الأقل أن يبتعد عن مجالسه، صيانة لإيمانه وحماية لكرامته.
إبلاغ السلطات عن أماكن التعاطي
من صور النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم إبلاغ الجهات المختصة عن أوكار المخدرات وتجارها، وعدم التستر عليهم، لأن السكوت عنهم مشاركة في الجريمة. وقد ورد في الحديث: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ» (رواه النسائي).
وبناءا على ذلك يتبين أن مجالسة أهل المعاصي، والجلوس في أماكن تعاطي المخدرات والخمور، ومصاحبة أهلها، كل ذلك محرّم شرعًا؛ لما فيه من امتهان لكرامة الإنسان وإهدار لحق الله في الطاعة، فضلًا عن الأضرار الاجتماعية والصحية والدينية المترتبة عليه.
ومن الواجب على المسلم أن يبتعد عن هذه المجالس، وأن يختار لنفسه صحبة صالحة تعينه على الخير، وأن يسهم بما يستطيع في مواجهة هذه الآفات، نصحًا لله ولدينه ولعباده، حتى يلقى الله تعالى بقلب سليم