البدوي… قائد أول مقاطعة اقتصادية ضد الغزاة في تاريخ مصر

في ذروة الحملة الصليبية السابعة (1249–1250م)، لم يكتفِ المصريون بالمقاومة العسكرية، بل ظهرت مقاومة شعبية منظمة بقيادة السيد أحمد البدوي، الذي حوّل نفوذه الروحي إلى سلاح اقتصادي حاسم.
البدوي… قائد أول مقاطعة اقتصادية ضد الغزاة في تاريخ مصر
أثبت المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك أن الصليبيين بعد احتلالهم دمياط «سكّوا نقوداً خاصة بهم وأدخلوا بضائع أوروبية عبر الميناء»، بينما يذكر ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة انتشار تداول هذه النقود بين بعض الوسطاء المحليين.
هنا يبرز النص الفاصل في مخطوطة الجنينة لعبد الرحيم القنائي حيث ينقل عن السيد البدوي قوله: «وكان رضي الله عنه ينهى عن التعامل بأموال الفرنج أشد النهي، ويقول: هي حرام لا تحل. ويحرم شراء بضائعهم، ويأمر بتحطيم آنيتهم وكسر أوانيهم إذا وجدت. وكان يقول: من تعامل معهم فقد أعان على قتل إخوانه المسلمين». هذا التوثيق يكشف بوضوح دعوة البدوي إلى مقاطعة شاملة.
تفسير العبارة «أموال الفرنج» يتفق مع ما ورد في المصادر الاقتصادية عن نقود سكّها الصليبيون خصيصاً للحملة . أما «بضائعهم» فهي المؤن والأسلاب القادمة مع الغزاة، وهو ما يفسر أمره بـ«تحطيم آنيتهم» كرمز لرفض مادي وروحي معاً.
أثر هذه الفتوى كان واسعاً. فقد انتشرت طريقة البدوي ومريدوها في طنطا والمنصورة والمحلة، لتتحول إلى ما يشبه «شرطة اقتصادية شعبية» تجبر الأسواق على الامتناع عن التعامل (المقريزي، السلوك). هذا الضغط الشعبي حرم الجيش الصليبي من شراء المؤن، وهو ما أشار إليه جون دي جوينفيل حين تحدث عن «معاناة الجند من الجوع ونقص الإمدادات».
يستخلص المؤرخون من هذه الوقائع أن مقاطعة البدوي لم تكن مجرد فتوى فقهية، بل استراتيجية مقاومة مركّبة: ضرب للتمويل الحربي، رفع للحاجز النفسي ضد المحتل، وإغلاق لقنوات التجسس الاقتصادي. وقد رأت الدولة المملوكية في هذا الحراك الشعبي حليفاً غير معلن، فاستفادت من نتائجه في حصار الصليبيين حتى هزيمتهم في معركة المنصورة (ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة).
وشدد مصطفى زايد الباحث في التصوف لـ نيوز رووم: بهذه الخطوة، يتجلى أحمد البدوي ليس فقط كولي صوفي، بل كقائد مجتمعي ابتكر أول حركة مقاطعة اقتصادية منظمة في تاريخ مصر الإسلامية، مساهمًا في إحباط مخطط لويس التاسع وإخراج الغزاة من دلتا النيل.