عاجل

قصر شحاتة سليم تحفة معمارية تروي تاريخ السويس

قصر شحاتة سليم بالسويس
قصر شحاتة سليم بالسويس

محافظة السويس تُعد من أغنى المدن المصرية بالمعالم التاريخي ومن بين تلك المعالم، يبرز قصر شحاتة سليم باشا كأيقونة معمارية، تروي فصولًا من تاريخ المدينة، وتُظهر جمال التصميم ودقة التنفيذ وروعة التفاصيل.

          

وُلد شحاتة سليم عام 1895 في محافظة السويس لعائلة من أعرق العائلات السويسية، واشتهر بأعماله الخيرية، وأسّس جمعيات لجمع التبرعات من الأعيان وتوزيعها على الفقراء دون أهداف ربحية، حتى أن الملك فاروق منحه لقب "باشا" تقديرًا لمساهماته الخيرية، وبخاصة بعد تبرعه ببناء مستشفى الصدر.

في عام 1928، قرر شحاتة سليم باشا تشييد قصر يعكس شخصيته الذواقة، ومكانته الاجتماعية، ويجمع بين الجمال والرقي، فاستعان بعدد من المعماريين والرسامين الإيطاليين لتصميم وتنفيذ هذا المشروع. اختار طراز العمارة الإسلامية كأساس، لكنه دمجه بعناصر زخرفية أوروبية وإغريقية، فخرج القصر تحفة فنية تعكس التنوع والثراء الثقافي.

يقع القصر في موقع استراتيجي بشارع الجيش عند تقاطع شارعي 23 يوليو وخالد بن الوليد، وهو من أبرز شوارع المدينة، ويواجه مباشرة مستشفى الهلال ومقهى "نجوم الرياضة". هذا الموقع جعله بارزًا لكل من يمر في المنطقة، حتى أن سكان الحي يعتبرونه جزءًا من هويتهم اليومية، ويصفونه بأنه "القصر الذي لا يمكن تجاهله".

القصر يتكون من طابقين وحديقة واسعة، ويحيط به سور حديدي فاخر من دون أي لحام، صُنع بتقنيات فرنسية وإيطالية مشابهة لتلك التي شُيّد بها برج إيفل وكوبري إمبابة. الزخارف على الواجهات تأخذ طابع المدرسة الإغريقية، مثل زخرفة "البيضة والسهم"، والفرنتونات، والأعمدة الأيونية.

وأسفل شرفاته، يبرز تمثالان لنسرين مجنحين، ما يمنح المبنى طابعًا فخمًا، ويُبرز براعة الفنانين الإيطاليين الذين نفذوا أدق تفاصيله.

الداخل لا يقل روعة عن الخارج، فالأرضيات مصنوعة من الرخام الفاخر في الطابق الأرضي، ومن خشب الأرو والزان في الطابق العلوي. درابزين السلالم من النحاس الخالص، والمقابض والأبواب نُفّذت بدقة عالية. الجدران والأسقف زُينت بزخارف جبسية نُقشت يدويًا بواسطة فنانين مهرة.

كل غرفة بالقصر تحمل لمستها الخاصة، من حيث الزخارف النباتية، وتصميم النوافذ، وتوزيع الضوء. نوافذ القصر الكبيرة تسمح بدخول ضوء الشمس الطبيعي، ما جعله صحيًا وخاليًا من الرطوبة طوال عقود.

ما يميز القصر أيضًا، هو أنه بُني وفقًا للنمط البغدادي الذي كان شائعًا في أحياء السويس القديمة كـ"الغريب" و"السلمانية" و"كفر كامل". هذا النمط لا يعتمد على الخرسانات المسلحة، بل على أعمدة رخامية خشبية وأسقف مدعّمة بزخارف دقيقة. 

النوافذ الكثيرة التي تغطي جدران القصر تسمح بتوزيع الضوء الطبيعي في كل أرجائه، ما يمنحه مناخًا صحيًا على مدار السنة، كما يساهم التصميم في التهوية الجيدة، وهو أمر نادر في المباني التاريخية. 

بعد وفاة شحاتة سليم باشا، استخدم القصر في الستينيات كمقر ثقافي ورياضي تابع لنقابة العاملين بالبترول، ثم اشترته إحدى شركات البترول، وتم تخصيصه لإقامة المناسبات الاجتماعية وتنظيم الأنشطة الرياضية والثقافية، ورغم هذا الاستخدام، لم تُتخذ خطوات حقيقية لترميمه أو تحويله إلى مزار سياحي أو متحف تراثي يليق بقيمته.

لم تكن مساهمة شحاتة سليم قاصرة على القصر، فقد تبرع بقطعة أرض وبنى عليها مستشفى خيري لعلاج مرضى الصدر في أربعينيات القرن الماضي، وسجّلها رسميًا لخدمة أهالي السويس، لتكون أول مبادرة خيرية من نوعها في تاريخ المدينة. وبسبب هذه الخطوة، كرّمه الملك فاروق ومنحه لقب "باشا"، وهو اللقب الذي لم يُمنح إلا لقلة من رجال الأعمال في تلك الحقبة.

وكان الدكتور علي السويسي استاذ  الفنون التشكيلية بحامعة السويس يؤكد  إن القصر يُعد من القصور النادرة في منطقة القناة، ويحمل قيمة أثرية كبيرة تستحق التسجيل ضمن قائمة التراث المعماري المصري. ورغم محاولات بحثية ودراسات ترميم أولية، لم يتم تنفيذ مشروع ترميم علمي يحافظ على القصر، ما يُعرضه لمخاطر الإهمال والتدهور.

تم نسخ الرابط