عاجل

في قلب صعيد مصر، وعلى ضفاف التاريخ، يقف مركز جهينة بمحافظة سوهاج كواحد من أبرز معاقل الوطنية المصرية، التي لم ترضخ يومًا للاحتلال أو تنحني لغاصب. فقد كان لأبناء جهينة شرف الوقوف بصلابة ضد الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801)، في وقت كانت فيه المقاومة فعلًا شعبيًا نابضًا بالكرامة والشهامة.
جهينة في مواجهة الاستعمار الفرنسي
سجّل التاريخ مواقف بطولية لأهالي جهينة، حين تجمّعوا بقيادة زعامات قبلية وريفية رافضين الخضوع لقوات نابليون بونابرت. استخدموا ما توفر لهم من أدوات، من الفروسية إلى الحيلة، في حرب عصابات أربكت خطط الفرنسيين في جنوب مصر. كانت المقاومة هنا نابعة من أرض تعرف جيدًا معنى الكرامة، ومن شعب لم يُعرف عنه إلا الإباء.
أرض تخرج الأعلام في شتى التخصصات
لكن جهينة لم تكن فقط مركزًا للمقاومة، بل أصبحت أيضًا منبعًا للعقول النيّرة والأسماء اللامعة في مختلف الميادين. فقد خرج من جهينة علماء وأطباء ومهندسون وقضاة وتربويون، وكذلك قيادات عسكرية ومدنية خدمت الوطن بإخلاص في كافة المؤسسات.
ويكفي أن نذكر من أبنائها مفكرين وأكاديميين برزوا في الجامعات المصرية والعربية، وشخصيات عامة تركت بصمة واضحة في مجالات الإعلام والثقافة والاقتصاد، ليظل اسم جهينة حاضرًا في كل محفل.
القيم الأصيلة والعادات الراسخة
ما يميز جهينة عن غيرها من المراكز والقرى هو تمسك أهلها بعاداتهم وتقاليدهم، التي تُعد امتدادًا طبيعيًا لقيم عربية أصيلة. الكرم، النخوة، احترام الكبير، صون الجار، وتقديس الروابط العائلية… كلها سمات حاضرة بقوة في النسيج الاجتماعي لجهينة.
في الأفراح كما في الأتراح، تُدار الأمور بتقاليد متوارثة تحكمها أعراف مجتمعية تحترم الجميع وتحتضن الجميع. ورغم التغيرات السريعة التي تشهدها المجتمعات، ما زالت جهينة تحتفظ بروحها القبلية النبيلة، التي تمثل الحصن القيمي لوجهها الحضاري.
نسبٌ عربيٌ ضاربٌ في التاريخ
ينحدر كثير من عائلات جهينة من أصول عربية، تعود في نسبها إلى الجزيرة العربية، ويشكلون جزءًا من القبائل العربية التي استوطنت صعيد مصر منذ قرون. وقد ساهم ذلك في صقل الشخصية الجهينية، فجمعت بين البسالة العربية والخصوصية المصرية، ليخرج منها جيل بعد جيل يحمل شرف الانتماء وعبء الحفاظ على الهوية.
ومن أبرز العائلات ذات الحضور التاريخي والاجتماعي الكبير في جهينة:
عائلة "أولاد أحمد"، التي تمثل رمزًا للتقاليد الراسخة والانخراط في العمل العام والوطني.
عائلة "آل عمران"، التي أنجبت شخصيات متميزة في الفكر والإدارة والعمل المجتمعي.
عائلة "أبو عقيل"، المعروفة بتاريخها الحافل في مجالات التعليم والقضاء والعلم، ودورها الريادي في تعزيز النسيج الاجتماعي لجهينة.
عائلة "الضباعة"، التي كانت دائمًا عنصرًا فاعلًا في الحياة العامة، ومثّلت أحد أعمدة العائلات المتجذرة في جهينة.
عائلة "بني رماد"، التي تتمتع بتاريخ قبلي عريق، وتُعرف بكرمها ومواقفها الوطنية المشهودة.
عائلة "حسام الدين"، التي خرج منها رموز فكرية ومهنية خدمت مصر في مواقع مؤثرة، وحافظت على مكانتها كعائلة عريقة ومتزنة.
ختامًا…
تظل جهينة شاهدة على تاريخ من الكفاح والكرامة، أرضًا أنجبت الرجال والرموز، وموطنًا لقيم لا تتبدل. وفي زمن تتسارع فيه المتغيرات، تبقى جهينة على العهد، حارسة لميراثها، وصانعة لمستقبلها، ومصدر فخر لكل من ينتمي إليها.

تم نسخ الرابط