ما حكم لصق أوراق الأذكار في الأماكن العامة؟ الإفتاء توضح

مع تزايد الاهتمام بنشر القيم الدينية، يلجأ بعض الأفراد إلى وضع أوراق وملصقات للأذكار في الشوارع والحدائق ووسائل المواصلات والأماكن العامة المختلفة، بهدف تذكير الناس بالله وإحياء معاني العبادة في نفوسهم وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاءأنه يُسمح بوضع ملصقات الأذكار في الأماكن العامة بشرط أن يُراعى فيها صون ما يتضمنه اسم الله تعالى من قدسية، والتنسيق المسبق مع الجهات المختصة المسؤولة عن تلك المواقع، مع الالتزام باللوائح والقوانين المنظمة لها. أما إذا فُقِدَت هذه الضوابط فلا يجوز تعليقها.
ولا يصح تجاوز هذه الشروط بحجة أن تعليق الملصقات يُعد وسيلة للتذكير بالله؛ إذ ليست هذه الطريقة وحدها المتعينة للدعوة، وهناك وسائل أخرى كثيرة تُحقق الغرض دون تعريض الأذكار لاحتمال الامتهان أو مخالفة القوانين أو التعدي على صلاحيات الجهات المختصة.
فضل عبادة الذكر
ثبت في الشريعة أن ذكر الله تعالى عبادة عظيمة القدر، واسعة الفضل، جليلة الأثر، يجني العبد منها خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة. وقد أثنى الله على الذاكرين والذاكرات، وحثَّ المؤمنين على الإكثار من ذكره، فقال سبحانه: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35]، وقال جل شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41-42].
وجاء في السنة النبوية ما يدل على رفعة هذه العبادة، ومن ذلك ما رواه الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم…؟» قالوا: بلى، قال: «ذكر الله تعالى».
وجوب تعظيم ما كُتب عليه اسم الله
الأذكار قد تُقرأ من الحفظ، أو من الأوراق، أو مما يُعلّق على الجدران، أو من الكتب، أو عبر الوسائل الرقمية الحديثة. وقد أوجب الشرع صيانة كل ما يشتمل على آيات قرآنية، أو أحاديث نبوية، أو أسماء معظمة كاسم الله تعالى وأسماء أنبيائه ورسله، وحذَّر من التهاون في احترامها. قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (2/6): “القرآن وكل اسم معظم كاسم الله أو النبي يجب احترامه وتعظيمه”. ونقل القليوبي في حاشيته على شرح المحلي أن العبرة بكل ما يتضمن قرآنًا أو حديثًا أو علما شرعيًا أو اسمًا معظمًا.
وتوقير هذه النصوص من تعظيم شعائر الله، وقد قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج: 30]، وقال: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
مظاهر تعظيم واحترام ما فيه اسم الله
اعتنى العلماء بهذا الجانب، فكرهوا وضع المصحف أو كتب العلم الشرعي على الأرض بلا حاجة، وكرهوا مدَّ الرجل تجاهها أو وضع شيء فوقها، فضلًا عن الجلوس عليها، لما تحمله من ذكر الله وعلوم دينه. كما نصوا على كراهة لفِّ الأشياء بأوراق مكتوب عليها اسم الله أو أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أي علم شرعي. وأكدوا أن رفع ما يُلقى في الطرقات من أوراق تحوي اسم الله أو ذكره فيه أجر كبير، لما فيه من صيانة لشعائر الدين.
حكم وضع ملصقات الأذكار في الأماكن العامة
يجوز تعليق ملصقات الأذكار في الأماكن العامة كالمتنزهات، والمؤسسات، والمجمعات التجارية، والمواصلات، بشرط الالتزام بما يلي:
1. صيانة النصوص: يجب التأكد من أن الملصقات في موضع يحفظ كرامتها، بعيدًا عن السقوط أو الامتهان أو العبث، إذ لا يجوز أن تُعرَّض الأذكار أو الآيات للامتهان أو التنجيس. وقد نهى الفقهاء عن كتابة القرآن في موضع قد يتعرض للامتهان، استنادًا لقول عمر بن عبد العزيز: “لا تكتبوا القرآن حيث يوطأ”.
2. مراعاة الأنظمة: لا بد من التنسيق مع الجهة المسؤولة عن المكان قبل وضع هذه الملصقات، حتى لا يُعد الأمر تعديًا على اختصاصها.
3. الالتزام بالقوانين: ينبغي احترام القوانين المنظمة للمرافق العامة والمحافظة على مظهرها الحضاري، وعدم تشويه جدرانها أو مخالفة ما تفرضه اللوائح.
فإذا تحققت هذه الشروط وانتفت أسباب الامتهان أو المخالفة، جاز وضع هذه الملصقات للتذكير والوعظ. أما إن لم تتوفر الضوابط السابقة، فلا يجوز تعليقها، إذ لا يُشترط أن يكون التذكير بالله بهذه الوسيلة وحدها، وهناك وسائل أخرى كثيرة يمكن أن تحقق الغرض دون تعريض الأذكار للإهانة أو مخالفة النظام