التصوف في قلب الموروث الشعبي.. أمسية دينية بأتيليه القاهرة احتفالًا بالمولد

شهد "أتيليه القاهرة" أمسية دينية وثقافية بمناسبة المولد النبوي الشريف، جمعت بين البعد الروحي والبعد التراثي، تحت عنوان "المولد النبوي والتصوف في الموروث الشعبي".
التصوف في قلب الموروث الشعبي.. أمسية دينية بأتيليه القاهرة احتفالًا بالمولد النبوي
افتتحت الأمسية بكلمة الباحث الصوفي مصطفى زايد، الذي أكد أن الاحتفال بمولد الرسول الكريم ﷺ يمثل مساحة وجدانية عميقة في حياة المصريين، تتجدد فيها مشاعر المحبة والولاء للنبي، موضحًا أن التصوف كان ولا يزال أحد أبرز الحواضن التي نقلت هذه المعاني إلى الأجيال عبر الأناشيد والمدائح والاحتفالات الشعبية.
وأشار زايد إلى أن الموالد الشعبية لم تكن مجرد طقوس احتفالية، بل تحولت إلى مدارس للتربية الروحية، ومنصات لبث قيم التسامح والتكافل، حيث امتزج فيها الجانب الديني بالثقافي والاجتماعي.
وشهدت الأمسية مشاركة عدد من المثقفين والباحثين ورواد الصحافة المصرية، الذين ناقشوا دور الطرق الصوفية في صياغة الموروث الشعبي المصري، وكيف انعكست هذه القيم في الفن الشعبي والإنشاد والمديح النبوي. كما أشار المتحدثون إلى أن المولد النبوي ظل أحد أهم المناسبات الجامعة التي وحّدت المصريين بمختلف انتماءاتهم.
واختُتمت الأمسية بفقرة للإنشاد الديني والمديح، قدّمها المنشد محمد سند، فأضفت على الحضور أجواءً روحانية أعادت إلى الأذهان ليالي الموالد التي لا تزال تشكل جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية والدينية للمجتمع المصري.
علي جمعة يوضح علاقة التصوف بالشريعة
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق، عبر منشور على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" معنى جملة «من تشرّع ولم يتحقق فقد تفسّق، ومن تحقق ولم يتشرّع فقد تزندق».، فهي كلمة مكثفة تلخص فهماً عميقاً لمسار السالكين إلى الله، وتؤكد أن الشريعة هي الأساس الذي لا غنى عنه، وأن التصوف لا يصح ولا يُقبل إلا إذا كان منضبطًا بالشريعة، لا متجاوزًا لها.
الزندقة.. حين يكون الدين ستارًا للفساد
قال الدكتور علي جمعة إن الزنديق الحقيقي هو الذي يظهر التديُّن ويبطن الفساد، مستشهدًا بالمثل الشعبي: "يصلي الفرض وينقب الأرض"، في إشارة إلى شخص يرتكب الجرائم في الخفاء تحت غطاء العبادة، كما لو أنه يستأجر بيتًا بجوار بيت غني ليحفر نفقًا خفيًا يسرق منه دون أن يشعر أحد، كل ذلك مع محافظته الظاهرة على الصلاة والتدين.
ويُضيف: "فإذا ضمّ إلى إجرامه هذا رياء العبادة، كانت صلاته وسيلةً لإخفاء جريمته، وستارًا لسرقته وعدوانه، فزاد بذلك إثمًا؛ لأنه اتخذ الدين حيلةً للتدليس والتلبيس".
التصوف السني يرفض الزيف ويدعو للالتزام
ويؤكد أن من أخطر الانحرافات أن يدّعي الإنسان أنه "وصل إلى الله" فلا يحتاج إلى الشريعة، ويظن أن له "عمارًا خاصًّا" بينه وبين الله يُغنيه عن الالتزام. هذا – كما وصفه العلماء – دجال زنديق، يفسد من حيث يظن أنه يهتدي، ويهدم من حيث يزعم أنه يبني.
ويشير إلى أن علماء التصوف الحقيقيين وضعوا قواعد راسخة لتحصين السالكين من الزلل، وحمايتهم من بدع الغلاة وأهواء المدّعين، الذين يحاولون صرف الناس عن طريق الله وشريعته بحجج واهية.
سدّ باب التصوف.. رد فعل خاطئ
ويرى الدكتور علي جمعة أن بعض الناس وقعوا في خطأ مضاد حين أغلقوا باب التصوف بالكامل خوفًا من الانحرافات، فحرموا أنفسهم من مورد أصيل للرحمة والسكينة، كان ولا يزال طريقًا للتزكية ومجالًا للتقرب إلى الله. فالشريعة، كما يوضح، ليست فقط حدودًا وأحكامًا، بل هي أيضًا سبيل للأنوار، ومصدر للسعادة، وطريق إلى كرامة الإنسان في الدنيا والآخرة.