ما حكم رد الإمام أو الفتح عليه في القراءة أثناء الصلاة؟

في مشهد مألوف داخل المساجد، قد يتوقف الإمام أثناء التلاوة أو يخطئ في قراءة آية من القرآن الكريم، وهنا يثار تساؤل : هل يجوز للمأمومين أن يفتحوا عليه ويصححوا قراءته وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء المصرية أنه لا يجوز للمأموم أن يُبادر إلى الرد على الإمام أو يُسارع بالفتح عليه في القراءة، إلا إذا بدا من الإمام بلسان الحال أو المقال أنه يطلب الفتح. وينبغي للمأموم أن يوقن أن الإمام لا يضطرب إذا صُوِّب له خطؤه، وألا يترتب على ذلك فوضى أو تشويش في الصلاة.
ويُشرع الفتح على الإمام كذلك إذا بلغ الخطأ حدًّا يُغيّر المعنى، كأن يخلط بين آية رحمة وآية عذاب، أو يُدخل أهل الجنة النار وأهل النار الجنة، أو يُخطئ في الفاتحة خطأً يقدح في صحتها باعتبارها ركنًا من أركان الصلاة.
حكم الفتح على الإمام أو رد قراءته أثناء الصلاة
الأصل في الصلاة أنها مبنية على الخشوع، حتى جعله الله تعالى أول صفات عباده المؤمنين فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2]. ولهذا حرم الشرع الكلام فيها، وجعل تنبيه الإمام عند الخطأ في أضيق الحدود؛ فجعل للنساء التصفيق، وللرجال التسبيح، أما إصلاح خطأ القراءة فعدّه الفقهاء من باب “الفتح على الإمام”.
والفتح في اصطلاحهم –كما ذكر الخطيب الشربيني في مغني المحتاج– هو تلقين الإمام الآية عند توقفه فيها. أي أن التوقف طلبًا للتلقين شرط أساسي فيه، فلا يجوز للمأموم أن يبادر بالرد أو يقطع على الإمام قراءته، لأن حفظ خشوع الصلاة وانتظامها أولى، وهذا الحكم في غير الفاتحة. أما الفاتحة فيُشرع الفتح فيها؛ لأنها ركن من أركان الصلاة عند جمهور الفقهاء.
وقد ورد في السنة ما يدل على مشروعية الفتح، كحديث المسور بن يزيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك آية في الصلاة، فقال له رجل: يا رسول الله تركت آية كذا، فقال: «هَلَّا ذَكَّرْتَنِيهَا». وفي المقابل جاءت أحاديث تنهى عن الفتح، منها ما رواه علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا عَلِيُّ لَا تَفْتَحْ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ». وكذلك ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه: “إذا تعايا الإمام فلا تردد عليه فإنه كلام”.
وقد جمع العلماء بين الأحاديث، فقالوا: إن النهي محمول على المسارعة بالرد بلا حاجة، أو مقاطعة الإمام وهو في أثناء القراءة، لأن ذلك يخل بالخشوع، بينما المشروعية تكون عند توقف الإمام وطلبه للفتح. وهذا ما أكده قول علي رضي الله عنه: “إذا استطعمك الإمام فأطعمه”، أي إذا سكت منتظرًا التلقين.
وبيّن العلامة التهانوي أن المنع إنما هو عن الفتح بغير ضرورة، كأن يكون الإمام قد قرأ ما يجزئ في الصلاة ثم توقف، أو انتقل إلى آية أخرى، ففي هذه الحالة لا يُفتح عليه. أما إن توقف تمامًا ولم يستطع الإكمال، فيشرع الفتح.
ضوابط الفتح على الإمام
اشترط الفقهاء لذلك ضوابط حتى لا يخرج الأمر عن روح الصلاة:
• ألا يفتح المأموم إلا إذا استفتح الإمام أو سكت منتظرًا المساعدة.
• لا يُقاطع الإمام وهو يحاول استذكار الآية بنفسه.
• إن انتقل إلى سورة أو آية أخرى دون أن يخلط بين آية رحمة وعذاب، فلا يُرد عليه.
• إن كان الإمام يُعرف عنه الارتباك إذا صُوّب خطؤه، فيُترك حتى لا يفسد عليه خشوعه.
• عند الحنفية: يكره التعجل بالفتح، وإذا فتح المصلي على غير إمامه بطلت صلاته؛ لأنه يعد تعلّمًا وتعليمًا، إلا إذا قصد التلاوة.
• عند المالكية والشافعية: لا يفتح على الإمام إلا إذا سكت منتظرًا، ولا يلقن أثناء تردده.
• عند الحنابلة: الفتح مشروع إذا ارتج على الإمام أو غلط في القراءة.
والأصل أن تصحيح الخطأ في القراءة لا يكون على حساب هيبة الإمام أو خشوع الصلاة؛ فإن كان في الرد ما يسبب ارتباكًا أو اضطرابًا، قُدّم درء المفسدة على جلب المصلحة. ويمكن الجمع بين المصلحتين بترك الإمام يكمل الصلاة، ثم يُنبه برفق بعد انتهائها، حفظًا للخشوع وصونًا لهيبة الموقف