عاجل

ما حكم الدعاء بعد الإقامة للصلاة.. وهل هو من البدعة؟

الدعاء
الدعاء

لا مانع شرعًا من الدعاء بعد الإقامة للصلاة قبل الشروع فيها، بل هو من الدعاء المستحب المستفاد من السنة النبوية ونصوص الفقهاء، والقول بتبديع ذلك هو قولٌ مبتدَعٌ باطلٌ لا تعويل عليه ولا التفات إليه.

بيان مفهوم البدعة وأقسامها

البدعة هي ما حَدَثَ مِمَّا لا أصل له في الشرع يَدُلُّ عليه، وأما ما كان له أصلٌ في الشرع يَدُلُّ عليه فليس ببدعةٍ شرعًا وإن كان يُسَمَّى بدعةً لغة؛ قال الإمام أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" : [ليس المحدث والبدعة مذمومًا للفظ مُحدَثٍ وبدعةٍ ولا لمعناها؛ فقد قال الله تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء: 2]، وقال عمر: نِعْمَت البدعةُ هذه. وإنما يُذَمُّ مِن البدعة ما خالف السُّنة، ويُذَمُّ مِن المحدثات ما دعا إلى ضلالة] 

ولقد قسَّم علماء الإسلام البدعة إلى: بدعةٍ حسنة، وبدعة سيئة، أو إلى: بدعة ضلالة، وبدعة هدى.

فبِدعة الهدى: هي التي توافق تعاليم الإسلام وأصول الشريعة، وهي المرادة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ».

وأما بِدعة الضلالة: فهي التي لا تتفق مع مقاصد الشريعة وأصولها، وهي التي عناها الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله في حديث مسلم: «وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»، وبقولـه صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، قال الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح].

وبهذا الفَهم للحديثيْن والتوفيق بينهما سار السلفُ الصالح؛ قال الإمام الشافعي رضي الله عنه فيما أخرجه الإمام البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"  من طريق الربيع بن سليمان عنه: [المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث يخالف كتابًا أو سُنةً أو أثرًا أو إجماعًا؛ فهذه لَبِدعة الضلالة. والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا؛ فهذه محدثةٌ غير مذمومة] .

وأخرج الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" من طريق حرملة بن يحيى عن الإمام الشافعي أنه قال: [البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة؛ فما وافق السنَّة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم] .

وقال الإمام النووي الشافعي في "تهذيب الأسماء واللغات"  ما نصه: [البدعة (بكسر الباء) في الشرع هي: إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة، قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب "القواعد": البدعة منقسمة إلى: واجبة، ومحرمة، ومندوبة، ومكروهة، ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن تُعرَض البدعة على قواعد الشريعة؛ فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة] .

وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" ما نصه: [فقد تكون واجبةً؛ كنصب الأدلة للردِّ على أهل الفرق الضالة، وتعلُّم النحو المُفهم للكتاب والسنة. ومندوبة؛ كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول. ومكروهة؛ كزخرفة المساجد. ومباحة؛ كالتوسع بلذيذ المأكل والمشارب والثياب].

حكم الدعاء بعد الإقامة للصلاة

على ذلك: فإن قول الدعاء المأثور: "اللهم آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة، والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد، اللهم أقمها وأدمها ما دامت السماوات والأرض" بعد الإقامة ليس هو من السنن السيئة التي لا تتفق مع أحكام الشريعة وأصولها حتى توصف بأنها بدعة مذمومة، كما أن لها أصلًا من السنة ومن كتب الفقهاء؛ فقد ورد استحباب قول هذا الدعاء في السنة النبوية الشريفة بعد سماع الأذان على وجه الإطلاق؛ فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ»، والإقامة هي في الحقيقة نوعٌ من الأذان لغةً؛ لأن الأذان في اللغة هو الإعلام، وال.

الرد على من يقول بأن الدعاء بعد الإقامة للصلاة من قبيل البدعة

إذا كانت الأحاديث الشريفة أطلقت استحباب هذا الدعاء بعد الأذان، فإنه من التنطُّع الموغِل في الضلال والمبالغةِ في التمسك بالحرفية المجردة للنصوص والمصادرةِ على المقصود أن يُقَيَّد ما أطلقته السنة بما قبل الإقامة ويوصف من قال الدعاء بعد الإقامة وقبل الشروع في الصلاة بأنه صاحب بدعة، بل إن ذلك على الحقيقة هو البدعة المنكرة، على أنه قد ورد في السنة النبوية الشريفة ما يجعل للإقامة نفسَ ما للأذان من آداب؛ كالإجابة بمثل ما يقول المُقيم، وكالدعاء أيضًا؛ وذلك فيما أخرجه أبو داود في "سننه" عن أبي أمامة رضي الله عنه -أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: أن بلالًا رضي الله عنه أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَقَامَهَا اللهُ وَأَدَامَهَا»، وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان، وفي هذا الحديث أيضًا مشروعية قول: "اللهم أقمها وأدمها ما دامت السماوات والأرض"؛ فهو أمرٌ ثابتٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومشروعٌ كما ورد في الحديث الشريف بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَقَامَهَا اللهُ وَأَدَامَهَا».

كما جاء في "البناية شرح الهداية" : [قال الطحاوي: فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع المنادي، فأجاب غير ما قال، فدل على أن الأمر للاستحباب وإصابة الفضل، ويستحب له أن يتابع المؤذن في ألفاظ الإقامة إلا في الحيعلة، وفي كلمة "قد قامت الصلاة" يقول: أقامها الله وأدامها. وفي "المفيد": ما دامت السماوات والأرض، وفي حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أقامها وأدامها"] .

ولا يجوز أن يُجعل العدولُ عما كان الأصلُ في مشروعيته الاستحبابَ وإصابةَ الفضل مِن البدع المخالفة للدين؛ فإن في هذا القول خللًا بينًا، فضلًا عن انعدام مستنده من الشرع الشريف!

نصوص الفقهاء الواردة على استحباب الدعاء عند الإقامة

مِمَّن نَصَّ مِن الفقهاء على استحباب الدعاء عند الإقامة على اختلاف ألفاظه:

قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" : [وفي "شرح النقاية": ومن سمع الإقامة لا يجيب، ولا بأس بأن يشتغل بالدعاء عندهما. وفي "فتح القدير": إن إجابة الإقامة مستحبة. وفي غيره أنه يقول إذا سمع "قد قامت الصلاة": أقامها الله وأدامها] اهـ.

وقال الشيخ داماد أفندي الحنفي في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" : [وفي الجواهر أن إجابة المؤذن سنة، هكذا يجيب في الإقامة أيضًا إلى أن ينتهي إلى قوله: "قد قامت الصلاة" فحينئذ يجيب بالفعل دون القول، وقال بعضهم: بالقول؛ فيقول: "أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض"] .

وقال الإمام الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح": [قال بعض الفضلاء: ويقول عند "قد قامت الصلاة": أقامها الله وأدامها؛ هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذكره الحلبي وغيره. ومعنى "أقامها الله": أثبتها وأبقاها. قال في "شرح المشكاة": واشتهر بعد قوله "وأدامها" زيادة: "وجعلني من صالحي أهلها"] اهـ. فدل ذلك على استحباب العمل بمأثور ما ورد عن الصالحين؛ للإطلاق في الأمر بالدعاء.

تم نسخ الرابط