عاجل

الثقة تتلاشى.. الفرنسيون يربطون مصير ماكرون ببقاء حكومة بايرو

ماكرون
ماكرون

تشهد الساحة السياسية في فرنسا تحولًا كبيرًا في المزاج العام، مع اتساع رقعة التشكيك في القيادة الحالية، وفق ما كشفته أحدث استطلاعات الرأي.

ففي ظل الأزمة التي تواجهها حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، بات قطاع واسع من الفرنسيين يرى أن سقوط هذه الحكومة يجب أن يُتبع باستقالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، ما يعكس حجم الشرخ داخل البنية السياسية الفرنسية.

ويشير خبراء إلى أن هذا التطور يعمق أزمة الثقة بالسلطة التنفيذية، ويجعل من سيناريو استقالة الرئيس خيارًا مطروحًا بقوة في الشارع السياسي.

انتحار سياسي طوعي

في هذا الصدد يرى لوران بوفيه، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في دراسات الرأي العام، أن رئيس الوزراء فرانسوا بايرو اتخذ خطوة محفوفة بالمخاطر بطلبه تصويتًا على الثقة في الجمعية الوطنية.

وقال بوفيه في تصريحات صحفية إن بايرو اختار الانتحار السياسي بدلًا من محاولة بناء توافق مع المعارضة، موضحًا أن هذا التصعيد عمّق حالة الاستقطاب السياسي، وفتح الباب أمام ما وصفه بنزاع فرنسي داخلي، قد يُستخدم من قبل البعض كفرصة لإعادة تقييم الأوضاع، لكنه يحمل في الوقت نفسه خطر إدخال البلاد في أزمة انسداد سياسي طويل الأمد.

تداعيات اقتصادية مقلقة

من الناحية الاقتصادية، تتقاطع الأزمة السياسية مع أزمة مالية حادة، بحسب الخبراء، حيث  أشار بوفيه إلى أن الدين العام الفرنسي يلامس 114% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تتسع الفجوة بين الإنفاق العام والعجز، ما يهدد استمرارية الخدمات العامة واستقرار المؤسسات.

وأضاف أن الحكومة، رغم إنفاقها السنوي بمليارات اليورو لدعم قطاعات الأعمال والتشغيل، لم ترفق هذه الجهود بإصلاحات هيكلية ضرورية لإعادة التوازن المالي، ما يجعل الرؤية الاقتصادية الحالية للدولة تبدو هشة ومفتقرة إلى العمق الاستراتيجي.

شكوك في اليسار وتفضيل شخصيات تكنوقراطية

وفي ما يتعلق بمقترح تعيين رئيس وزراء من الحزب الاشتراكي كبديل لبايرو، تظهر نتائج الاستطلاعات أن هذه الفكرة لا تحظى بقبول واسع، إذ يعبّر معظم الفرنسيين عن تفضيلهم لشخصيات تكنوقراطية أو مستقلة على حساب السياسيين التقليديين من اليسار.

أما الباحث في الشؤون الأوروبية جويل جوسيب فيرى أن حالة عدم الثقة بالطبقة السياسية باتت مترسخة، مشيرًا إلى أن الانقسامات الحادة داخل معسكر اليسار تجعل من خيار تعيين وزير اشتراكي غير جذاب، خاصة وأن المواطنين صاروا يميزون بين الأشخاص والسياسات، ويرغبون في قيادة أكثر توازنًا واستقلالًا.

وبناءً على هذه المعطيات، يرى جوسيب أن الرئيس ماكرون سيبحث عن شخصية وسطية أو مستقلة قادرة على جذب دعم برلماني أوسع، بدلًا من تعميق الاستقطاب بتعيين شخصية حزبية قد تُفاقم التوترات.

سيناريو سقوط الحكومة الفرنسية

تتجه الأنظار  إلى جلسة التصويت على الثقة بحكومة بايرو، المقرر عقدها في الجمعية الوطنية الاثنين المقبل، ومع إعلان أحزاب اليسار والتجمع الوطني اليميني نيتها التصويت ضد الحكومة، يبدو أن فرص بقاء بايرو ضعيفة.

واستطلاع جديد أجراه معهد "إيلاب" لصالح قناة "BFM TV" كشف عن صورة سياسية مفككة، حيث أظهر أن 39% من الفرنسيين لا يثقون بأي حزب سياسي، بينما توزعت البقية بين مؤيدي اليمين المتطرف (20%)، اليسار (20%)، والائتلاف الحاكم (17%).

ورغم أن حزب النهضة، الذي أسسه ماكرون، لا يحظى سوى بدعم 6% فقط، فإن المعارضة لا تبدو قادرة على تقديم بديل مقنع في نظر المواطنين، حيث أبدى 33% فقط ثقتهم بأن التجمع الوطني سيؤدي بشكل أفضل، و13% رأوا ذلك في الحزب الاشتراكي.

دعوات علنية لاستقالة ماكرون

الم تعد الأزمة محصورة في حكومة بايرو وحدها، بل وصلت إلى قصر الإليزيه، حيث بدأ عدد من السياسيين البارزين، أمثال فاليري بيكريس ودافيد ليسنار، يطالبون علنًا باستقالة الرئيس ماكرون في حال سقطت الحكومة.

ويدعم هذا التوجه قطاع واسع من المواطنين، حيث أظهر استطلاع "يوجوف" لصالح موقع "لو هاف بوست" أن 58% من الفرنسيين يرون أن على ماكرون الاستقالة إذا فشلت حكومة بايرو، منهم 87% من مؤيدي التجمع الوطني، و57% من ناخبي اليسار، و48% من الجمهوريين. أما أنصار حزب النهضة فهم الوحيدون الذين يدعمون بقاء الرئيس.

سيناريوهات ما بعد بايرو

رغم أن خيار حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة مطروح، إلا أنه لا يحظى بدعم واسع، حيث يؤيده 54% فقط من المشاركين في الاستطلاع، ويبدو أن هذا الخيار أكثر شعبية بين ناخبي اليمين المتطرف، بينما يظل الاشتراكيون منقسمين حوله.

وبينما لم تتضح ملامح الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة في حال رحيل بايرو، أشار استطلاع الرأي إلى أن 30% من الفرنسيين يفضلون شخصية من التجمع الوطني، مقابل 15% فقط للحزب الاشتراكي، في حين لم يبدِ 29% أي رأي، مما يعكس استمرار الغموض السياسي.

تم نسخ الرابط