لماذا يصر بوتين على عقد اللقاء مع زيلينسكي في موسكو؟

أصبح تحديد مكان اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نقطة خلاف جديدة في مسار الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث يصر بوتين على أن تكون موسكو هي المكان المناسب لعقد المحادثات، بينما يرفض زيلينسكي هذا الطلب جملةً وتفصيلاً، مطالباً بإقامة اللقاء في موقع محايد برعاية دولية.
خلال المنتدى الاقتصادي الشرقي، أكد بوتين أن موسكو تعد الخيار الأفضل لعقد اللقاء مع زيلينسكي، مؤكدًا استعداد روسيا لتوفير ضمانات الأمان اللازمة للرئيس الأوكراني، في وقت شهدت فيه العاصمة الروسية لقاءات مهمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون خلال عرض عسكري بارز.
رفض زيلينسكي رفض عقد اللقاء في موسكو
على الجانب الآخر، رد زيلينسكي سريعًا من خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رافضًا عقد اللقاء في موسكو، واصفًا ذلك بأنه غير مقبول، ومشدداً على ضرورة أن يتم اللقاء في مكان محايد.
كما أعلن وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها أن سبع دول عرضت استضافة اللقاء، متهمًا بوتين بمحاولة استغلال المسألة لتعطيل جهود المجتمع الدولي وإضاعة الوقت، أما في واشنطن، فقد تراجع الرئيس دونالد ترامب عن حماسه السابق تجاه الوساطة، مشيرًا إلى أن بوتين ليس جادًا في تحقيق السلام.
سر تمسك بوتين بعقد اللقاء في موسكو
يرى المحللون أن إصرار بوتين على عقد اللقاء في موسكو لا يقتصر على اختيار جغرافي، بل يحمل أبعادًا سياسية عميقة، إذ يرغب بوتين في إبراز روسيا كقوة مهيمنة تجبر خصومها على القدوم إلى عاصمتها، كما أن فرض موسكو مكانًا للقاء يشكل ضغطًا نفسيًا وإعلاميًا كبيرًا على زيلينسكي، وقد يُفسر حضوره هناك على أنه تنازل أو استسلام أمام الرأي العام.
ويعتقد بعض الخبراء أن بوتين يحاول من خلال هذا الشرط اختبار مدى استعداد كييف للتنازل عن قضايا حساسة، من خلال فرض شروط تبدو سطحية لكنها تحمل دلالات جوهرية في التفاوض.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور نبيل رشوان، المحلل السياسي المتخصص في الشأن الروسي، أن بوتين يسعى لوضع أوكرانيا في موقف تعجيزي سياسي عبر إلزامها بلقاء مباشر معه، في وقت لا تسمح فيه الظروف الحالية لكييف بخوض مفاوضات على أرضها، مشيرًا وأشار إلى أن السيطرة الروسية على أكثر من 20% من الأراضي الأوكرانية ليست بالأمر السهل استيعابه، حتى من قبل الجانب الأوكراني نفسه.
وأضاف رشوان أن العقوبات الأمريكية المرتقبة تظل ورقة ضغط مهمة في هذا الملف، رغم التحديات التي تواجه ترامب في تحقيق اختراق دبلوماسي.
من جانبه، أكد سمير أيوب، المحلل في الشؤون الروسية، أن جوهر الأزمة لا يرتبط بمكان الاجتماع، بل بمدى إمكانية التوصل إلى حل جذري للصراع بين روسيا والناتو، والذي ينعكس بشكل مباشر على الأراضي الأوكرانية.
وأشار أيوب إلى أن إعلان بوتين استعداده للقاء أي قائد أوكراني حتى وإن فقد شرعيته، يعكس رغبة روسية في التوصل إلى تسوية شرط أن يكون الطرف الآخر قادراً على اتخاذ قرارات فعلية داخل كييف.
وأوضح أن أوكرانيا تتجنب اللقاء المباشر خوفًا من تفسيره كضغط نفسي، خاصة وأن زيلينسكي عادةً ما يكون محاطًا في لقاءاته بقيادات غربية ترسم إطار الاتفاق المحتمل.
وأشار المحلل إلى أن الصراع تجاوز نطاق المواجهة بين البلدين ليصبح مواجهة بين موسكو والعواصم الأوروبية التي تعرقل بدورها أي جهود للحل.
كما كشف عن شروط روسيا الأساسية لأي اتفاق، التي تشمل حياد أوكرانيا ومنع انضمامها للناتو، تحجيم الأحزاب ذات النزعة النازية، والاعتراف بضم المقاطعات الأربع وشبه جزيرة القرم.
فيما يخص العقوبات الأمريكية، أكد أيوب أنها قد تعرقل فرص التفاوض، وقد تضع صورة ترامب كوسيط سلام موضع شك.
وشدد على أن الحل لن يكون في مكان عقد اللقاء، بل في قبول الشروط الروسية الجوهرية، مع احتمال قبول بوتين بانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ككيان اقتصادي، لكنه يرفض توسيع حلف الناتو.
بدوره، أوضح إبراهيم كابان، مدير شبكة الجيوإستراتيجي للدراسات، أن روسيا تسعى لفرض سيطرتها على أكبر قدر من الأراضي الأوكرانية قبل بدء أي مفاوضات، لضمان موقع تفاوضي أقوى.
وأشار كابان إلى أن هذا الأسلوب أثار استياءً في الغرب، حيث تشهد مواقف الولايات المتحدة وأوروبا تحولات مهمة بشأن الملف الأوكراني، حيث إن إصرار بوتين على عقد اللقاء في موسكو يعقد المشهد ويبعد واشنطن عن دورها المباشر، محصرًا الحوار بين موسكو وكييف فقط.
وشدد على أن تصريحات بوتين الأخيرة تحمل رسالة سياسية للغرب تعكس رفع مستوى التوتر تزامنًا مع اشتراط عقد اللقاء في موسكو، مؤكدًا على أن الولايات المتحدة تبقى الداعم الأساسي لكييف، في حين يحاول ترامب تقديم نفسه كوسيط قادر على إنهاء الصراع.