قمة شنجهاي تتجاهل الحرب الأوكرانية.. رسائل صامتة من روسيا والشرق

أثار البيان الختامي لقمة منظمة شنجهاي للتعاون، التي انعقدت مطلع سبتمبر الجاري بمدينة تيانجين الصينية، جدلًا واسعًا وانتقادات حادة من الجانب الأوكراني، بعدما خلا من أي إشارة مباشرة للحرب الروسية في أوكرانيا، رغم كونها الصراع العسكري الأكبر الذي تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي أول رد فعل رسمي، اعتبرت وزارة الخارجية الأوكرانية أن تجاهل الأزمة في بيان القمة يمثل هزيمة جديدة للكرملين في محاولاته لتصوير العالم على أنه منقسم بشأن "العدوان الروسي"، على حد وصفها
كما دعت كييف الصين بشكل صريح إلى لعب دور أكثر فاعلية في الضغط على موسكو من أجل التوصل إلى تسوية سلمية.
تجاهل متعمد أم مناورة سياسية؟
يرى الدكتور نبيل رشوان، الخبير في الشؤون الروسية، أن تغييب الملف الأوكراني لم يكن صدفة، بل قرارًا محسوبًا ضمن استراتيجية المنظمة لتفادي الخلافات المحتملة بين أعضائها.
وقال رشوان في تصريحات صحفية:"هناك ملامح واضحة لتكتل جديد اقتصادي وربما أيضًا عسكري يصب في صالح موسكو، خاصة مع وجود قوى كبرى مثل الصين والهند داخل منظمة شنغهاي، وهما دولتان تتمتعان بثقل سياسي واقتصادي كبير".
وأضاف أن استمرار الحرب لا يمثل عبئًا متساويًا على الجميع، بل يُحقق مكاسب مباشرة لبعض الأعضاء، موضحًا أن الهند تشتري النفط الروسي بأسعار منخفضة ثم تقوم بإعادة تكريره وتصديره، فيما تمددت الصين اقتصاديًا داخل السوق الروسية مستفيدة من انسحاب الشركات الأوروبية.
وأكد أن موسكو تستفيد سياسيًا من إظهار تماسك المنظمة ككيان موازٍ للغرب، حتى وإن تطلب الأمر تجاهل صراعات كبرى مثل أوكرانيا، مشيرًا إلى أن الأولوية بالنسبة لبوتين هي إثبات أن روسيا ما زالت تملك شركاء فاعلين ومعترفا بها كقوة دولية رغم العقوبات الغربية ومحاولات العزل.
باحث في الشأن الأوكراني: تجاهل حرب أوكرانيا مؤشر على ضعف النفوذ الروسي
من زاوية مغايرة، يرى الدكتور سعيد سلام، مدير مركز "فيجن" للدراسات في أوكرانيا، أن تجاهل الحرب في أوكرانيا خلال القمة يعكس حدود النفوذ الروسي داخل المنظمة، وأن موسكو فشلت في فرض ملفها الأبرز على جدول أعمال القمة، رغم الحضور الشخصي للرئيس بوتين.
وأوضح سلام أن البيان الختامي لم يتجنب المواضيع الحساسة بشكل عام، إذ تناول ملفات مثل الحرب في غزة والبرنامج النووي الإيراني، مما يعزز من فرضية أن تغييب الملف الأوكراني كان قرارًا سياسيًا لحماية الموقف الروسي وليس مسألة حياد شامل.
وأضاف أن الهند والصين، رغم استفادتهما الاقتصادية من استمرار الحرب، لا ترغبان في التصعيد مع الغرب دفاعًا عن موسكو، لذلك فضّلتا الالتزام بموقف علني محايد، وهو ما ترك روسيا منعزلة نسبيًا، حتى داخل كيانات تعتبرها جزءًا من مجالها الجيوسياسي.
وأشار إلى أن هذا التجاهل يمثّل ضربة معنوية للكرملين، حيث يكشف عجز روسيا عن حشد دعم صريح حتى من أقرب حلفائها في المنتديات الدولية.
الصين حذرة وروسيا حاضرة
أما إيجور سيميفولوس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في أوكرانيا، فيرى أن استبعاد الملف الأوكراني جاء نتيجة حسابات دقيقة تراعي التوازنات السياسية داخل منظمة شنجهاي، لا سيما في ظل اختلاف مواقف الدول الأعضاء تجاه الحرب.
وأضاف أن هذا التوجه لم يكن ممكنًا دون دعم مباشر من الصين، التي لعبت دورًا رئيسيًا في صياغة البيان الختامي بطريقة تُرضي الجميع، وتحافظ على وحدة المنظمة، دون تعريض علاقاتها مع الغرب لمزيد من التوتر.
وقال سيميفولوس: "بكين حرصت على تقديم نفسها كقوة مسؤولة في النظام الدولي، لا تنجرّ إلى استقطاب سياسي حاد، خاصة في ظل المناخ الجيوسياسي الحساس الذي يشهده العالم حاليًا".
وأشار إلى أن تغييب أوكرانيا عن جدول أعمال القمة يعكس تحولًا في التوازنات العالمية، حيث تحاول دول ذات أنظمة غير ديمقراطية تقديم بدائل للنموذج الغربي، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن حدود التعاون بين هذه الدول وعدم قدرتها على تشكيل تحالف صلب في مواجهة الغرب.