كيف صاغت الصوفية ملامح المدرسة القرآنية في مصر؟.. باحث صوفي يوضح |خاص

ارتبط التصوف الإسلامي بالقرآن الكريم ارتباطًا وثيقًا منذ نشأته، فلم يقتصر عند أتباعه على التلاوة اللسانية أو جمال الصوت، بل كان طريقًا للتزكية وتطهير القلب والوصول إلى مقام الخشوع. ومن هذا المنطلق ترك التصوف بصمته العميقة على تلاوات القرآن، خاصة في مصر التي مثّلت عبر العصور ساحة خصبة لالتقاء الروح الصوفية بفنون الأداء القرآني.
التلاوة في المتأثرة بالصوفية
يقول الباحث الصوفي مصطفى زايد لنيوز رروم : ينظر المتصوفة إلى القرآن على أنه كلام الله الحيّ الذي ينبغي أن يُقرأ بحضور القلب قبل جمال النبرة، وأن تكون التلاوة عبادةً وذكرًا يورث السكينة والأنس. ولهذا عملت الطرق الصوفية على تعليم القرآن بمنهج يجمع بين الدقة العلمية في أحكام التجويد والقراءات، وبين البعد الروحي الذي يجعل القارئ يعيش معاني الآيات ويتذوق إشاراتها الوجدانية.
من الزوايا إلى المنابر
أضاف “زايد” لم تقتصر الزوايا والخانقاهات الصوفية على حلقات الذكر والإنشاد، بل كانت مدارس لتعليم القرآن، حيث يتربى المريد على التلاوة المتقنة التي تُبنى على صفاء القلب بقدر ما تُبنى على ضبط المخارج والأحكام. ومن رحم هذه البيئات خرجت ملامح المدرسة المصرية في التلاوة، التي حازت مكانتها العالمية بجمعها بين قوة الأداء وصدق الروح وجمال الصوت.
بصمات واضحة في أصوات الكبار
وقال" زايد" :يكاد المتأمل في تاريخ القراء المصريين أن يلمس حضور الروح الصوفية في أدائهم:
الشيخ محمد رفعت (خلوتي المشرب) عُرف بتلاوة خاشعة تنقل المستمع إلى عوالم السكون الروحي.
الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي (أحمدي الطريقة) جمع بين قوة الأداء والوجد الصادق.
الشيخ محمد صديق المنشاوي عُدّ صوته بكاءً عذبًا يجسد الوجد الصوفي في أنقى صوره.
الشيخ محمود علي البنا عاش أجواء الموالد والأذكار، فانعكست على أدائه روحانية مميزة.
الشيخ أحمد نعينع (شاذلي النسب) لا يخفي أثر التصوف على صوته، مؤكداً أن الروح الصوفية أضفت على تلاوته بعدًا خاصًا.
الإجازة القرآنية.. علم وروح
وأوضح الباحث الصوفي أن من أبرز ما رسخته الطرق الصوفية في تقاليد التلاوة نظام "الإجازة"، التي لم تكن مجرد شهادة على إتقان التجويد، بل وثيقة تؤكد أن القارئ بلغ منزلة علمية وروحية متكاملة. فالإجازة عند الصوفية لا تمنح إلا لمريدٍ جمع بين إتقان الأداء وصدق الحال وخشوع القلب، في تجلٍ فريد لامتزاج العلم بالروح.
رؤية شاملة للتعامل مع القرآن
إن تأثير التصوف في التلاوة لم يتوقف عند حدود الفن أو الصوت، بل صاغ رؤية كاملة للتعامل مع القرآن، حيث تصبح التلاوة وسيلة لبناء الأخلاق وتزكية النفس وإحياء القلب. ولهذا ظل القراء ذوو الصلة بالتصوف نماذج خالدة، تحفظ لهم ذاكرة الأمة أصواتًا تعبق بالروح، وتنقل القرآن من حيز السمع إلى عمق الوجدان.