هل يحق للأب التصرف فى مال ابنه؟ حديث«أنت ومالك لأبيك» وتخريجه الصحيح
تتردد كثيرًا مقولة «أنت ومالك لأبيك» على ألسنة الناس، فهل يعني ذلك أن للأب الحق المطلق في مال ابنه؟ وما صحة هذا الحديث؟ وما المقصود به شرعًا؟
تخريج الحديث ودرجة صحته
ورد هذا الحديث عن الصحابي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفيه أن رجلًا أعرابيًا جاء إلى النبي ﷺ يشكو قائلًا: «إن أبي يريد أن يجتاح مالي»، فأجابه النبي ﷺ بقوله: «أنت ومالك لوالدك».
وقد تم تخريج هذا الحديث في عدد من كتب الحديث المعتبرة، ومنها:
سنن أبي داود (كتاب البيوع).
سنن ابن ماجه (كتاب التجارة: باب ما للرجل من مال ولده).
السنن الكبرى للبيهقي (كتاب النفقات: في نفقة الأبوين).
شرح معاني الآثار للطحاوي (كتاب البيوع: باب الوالد هل يملك مال ولده أم لا؟).
أما عن رجال إسناده، فقد ذكر الإمام أبو داود أن رواة الحديث هم:
محمد بن المنهال البصري: ثقة حافظ.
يزيد بن زريع البصري: ثقة ثبت.
حبيب المعلم: صدوق.
عمرو بن شعيب: صدوق.
شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص: صدوق.
وبناءً على ذلك، فقد حكم العلماء على الحديث بأنه حسن، مما يعني أنه حديث مقبول يمكن الاستدلال به.
هل يملك الأب مال ابنه؟
أكدت فتوى الدكتور محمد سيد طنطاوي أن هذا الحديث لا يعني أن الأب يملك مال ابنه ملكية مطلقة، وإنما يهدف إلى:
- الحث على بر الوالدين.
- وجوب النفقة على الوالدين عند الحاجة والعجز.
أما الأب الغني، فلا يجوز له أن يأخذ من مال ابنه إلا برضاه، لأن الإسلام لا يبيح التعدي على أموال الآخرين، حتى لو كان بين الأب وابنه.
متى يجوز للأب الأخذ من مال ابنه؟
أوضح العلماء أن الأب يجوز له أن يأخذ من مال ابنه بشروط، منها:
1. أن يكون الأب محتاجًا، أي ليس لديه ما يكفيه للنفقة.
2. ألّا يضرّ الابن، أي لا يأخذ من ماله ما يتسبب في وقوعه في ضائقة مالية.
3. ألّا يكون الأخذ بغير حق، مثل أن يأخذ الأب المال لإنفاقه في غير ضرورة أو حاجة مشروعة.
ماذا لو كان الأب غنيًا؟
إذا كان الأب غنيًا ولديه ما يكفيه، فلا يجوز له أن يأخذ من مال ابنه إلا برضى الابن وطيب نفسه، كما هو الحال في السؤال الذي ورد إلى الدكتور محمد سيد طنطاوي، حيث ذكر السائل أنه ليس في حاجة إلى أموال أبنائه، بل هو من يعطيهم وأسرهم وأقاربه بسخاء، وحتى بعد وفاته من خلال وصيته الشرعية، وهذا من فضل الله عليه.
حديث «أنت ومالك لأبيك» حديث حسن الإسناد، لكنه لا يعني أن الأب يملك مال ابنه مطلقًا، بل يؤكد على وجوب بر الوالدين والإنفاق عليهما عند الحاجة. أما إن كان الأب غنيًا، فلا يجوز له أخذ مال ابنه إلا برضاه.
