باحث سياسي: تحولات إسرائيل بعد 7 أكتوبر تكشف تراجع الجيش وصعود السياسيين

قال الباحث السياسي أكرم عطا الله ، إن هناك تطورات هائلة شهدتها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، كان أبرزها إعادة توزيع موازين القوة داخل الدولة العبرية، وهو ما يجب على المراقبين متابعته بدقة.
وأوضح أن إسرائيل عبر عقود مضت كانت تقوم على رؤية وضعها مؤسس الدولة، ديفيد بن جوريون، الذي صاغ معادلة الحكم بجعل الجيش هو المؤسسة المركزية في اتخاذ القرار، فيما كانت الحكومة مجرد ذراع تنفيذية لهذا القرار، ليصبح الجيش هو "الدولة العميقة" الحقيقية، وصاحب الكلمة العليا في رسم السياسات.
الجيش يفقد مكانته التقليدية
وأشار عطا الله إلى أن ما بعد 7 أكتوبر مثّل لحظة فارقة في بنية القوة داخل إسرائيل، إذ تلقى الجيش ضربة قوية كشفت عن هشاشته أمام تحديات غير تقليدية، وأضعفته في مواجهة السياسيين، وهو ما لم يكن مألوفًا في العقود الماضية.
وأضاف أن المؤسسة العسكرية، التي اعتادت أن تُملي قرارها على الساسة، وجدت نفسها لأول مرة في موقع دفاعي بعد الانتقادات الداخلية والخارجية بشأن إخفاقها في منع الهجوم أو التعامل معه بالسرعة المطلوبة.
صعود السياسيين على حساب العسكر
وأوضح الباحث السياسي أن هذا التراجع في مكانة الجيش فتح المجال أمام السياسيين ليصبحوا أكثر قوة، حيث انتقل جزء مهم من القرار إليهم. ولفت إلى أن شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باتوا اليوم أكثر نفوذًا في مواجهة المؤسسة العسكرية مما كانوا عليه خلال العقود الماضية.
وبيّن أن هذه النقلة تعكس تحوّلًا بنيويًا في إسرائيل، حيث لم يعد الجيش هو المحرك الوحيد للسياسات، بل أصبحت قرارات الساسة أكثر حضورًا وتأثيرًا، بما يتجاوز أحيانًا خبرة المؤسسة الأمنية.
نتنياهو بين "مهمة تاريخية" وأهداف خطيرة
وأكد عطا الله أن نتنياهو يقدّم نفسه باعتباره رجلًا في مهمة روحانية وتاريخية، يرى فيها أن دوره يتجاوز مجرد قيادة سياسية إلى "رسالة وجودية". ووفق تحليله، فإن نتنياهو ينظر إلى الواقع من زاويتين أساسيتين: الأخطار الأمنية والأخطار الوجودية.
وبيّن أن إسرائيل استطاعت على مدار السنوات الماضية التعامل مع الأخطار الأمنية عبر تطوير قدراتها العسكرية وتحويل نفسها إلى ترسانة أسلحة ضخمة، بل وحيازة السلاح النووي كضمانة ردع قصوى، لكن ما يشغل نتنياهو بشكل أكبر هو "الخطر الوجودي"، وهو ما يجعله يسعى لفرض حلول جذرية تمس التركيبة السكانية والجغرافية، مثل فكرة تهجير سكان قطاع غزة.
تهجير غزة.. مشروع يتجدد
وشدد الباحث على أن نتنياهو الآن يعمل بجدية على تحقيق مشروع التهجير، الذي يعتبره سبيلًا لحماية إسرائيل من "الخطر الديمغرافي"، وهو طرح خطير يهدد مستقبل المنطقة بأكملها ، وأوضح أن ما يقوم به ليس مجرد خطة عسكرية أو سياسية آنية، بل مشروع أوسع يرتبط برؤيته لنفسه كقائد استثنائي في "معركة وجودية".
واختتم عطا الله حديثه بالإشارة إلى أن فهم هذا التحول من سيطرة الجيش إلى صعود السياسيين ضروري لفهم طبيعة المرحلة المقبلة في إسرائيل والمنطقة، إذ قد يترتب عليه قرارات أكثر تطرفًا واندفاعًا من قبل القيادة السياسية، في وقت يعيش فيه الجيش أضعف مراحله أمام الرأي العام والسياسيين على حد سواء.