عاجل

مولد النبي بدعة.. أوقاف ليبيا تثير الجدل ورد حاسم من الإفتاء المصرية

المولد النبوي
المولد النبوي

يقترب المولد النبوي، ويتسابق المسلمون في شتى بقاع الأرض للاحتفال، إلا أنه قد أثارت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بليبيا الجدل حول حكم الاحتفال والقول بـ بدعة المولد النبوي، فهل لقولها أصل؟ 

بدعة الاحتفال بالمولد النبوي.. فتوى الأوقاف الليبية تثير الجدل

تقول أوقاف ليبيا: اتفق المسلمون أن الاحتفال بميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن في عصر الصحابة، ولا في عصر التابعين، ولا أتباع أتباعهم، فلم يوجد هذا الاحتفال في القرون المفضلة الذين هم خير القرون، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:  "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" [أخرجه البخاري 2651، ومسلم 432]، ولا احتفل بهذا المولد أحد من سلفنا الصالح، قال الفاكهاني: (لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا يُنقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين) [المورد في عمل المولد ص8].

المولد النبوي.. أول من أحدثه الفاطميون العبيديون

وتابعت: قد اختلف المؤرخون في أول من أحدث الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وأظهره؛ فقال كثير من أهل العلم: أول من أحدثه الفاطميون العبيديون، قال المقريزي:(كان للخلفاء الفاطميين في طوال السنة أعياد ومواسم؛ وهي موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب، ومولد الحسن والحسين، ومولد فاطمة الزهراء، ومولد الخليفة الحاضر) [المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار 1/490]. 

الشيخ عمر بن محمد الملا.. أول من ابتدع الاحتفال بالمولد النبوي في الموصل

وقال بعض أهل العلم: إن أول من ابتدعه هو الشيخ عمر بن محمد الملا (570هـ)، قال أبو شامة: (وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره) [الباعث على إنكار البدع والحوادث ص21]، وقال بعضهم: أول من أحدثه ملك إربل المظفر كوكبوري (630هـ)، قال السيوطي: (وأول من أحدث المولد صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين علي أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد) [حسن المقصد في عمل المولد ص42]، وقال ابن كثير مبيناً ذلك: (كان يعمل المولد الشريف ربيع الأول، ويحتفل احتفالا هائلا، ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم) [البداية والنهاية 11/306].

قال الشيخ علي محفوظ بعد ذكره أن الفاطميين أول من أحدث الاحتفال بالمولد: (وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش، ثم أعيدت في خلافة الآمر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين وخمسمائة بعدما كاد الناس ينسونها، وأول من أحدث المولد النبوي بمدينة إربل الملك المظفر أبو سعيد في القرن السابع) [الإبداع في مضار الابتداع ص231].

وشددت: فهذه حقيقة الاحتفال بالمولد، أول من ابتدأها وأحدثها هم أمراء دولة بني عبيد، تلك الدولة الشيعية التي أحدثت في دين الله وغيّرت شرائعه؛ حتى حكم  علماء المالكية في القيروان وغيرها بكفرهم وقتالهم [ينظر: رياض النفوس للمالكي 2/469]، فكيف يحتفل مسلم ـ فضلا عن مالكي ينتسب للإمام مالك ويسير على منهج علماء المالكيةـ بعيد ابتدعه أمثال هؤلاء؟

تأصيل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل

تقول دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي: جرت عادة المسلمين في شهر ربيع الأول من كل عام بالاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، وذلك باجتماع الناس على الذكر والمدائح والطعام والقيام ونحو ذلك مما يُعدُّ فرحًا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمًا له، وسرورًا بيوم مجيئه الكريم، وإعلانًا لمحبَّته صلى الله عليه وآله وسلم، والاحتفال في جملته شكرٌ لله تعالى على إكرامه لنا بالرحمة المهداة صلى الله عليه وآله وسلم، وكل هذا من الأمور المقطوع بمشروعيَّتها واستحبابها شرعًا.

وقد سَنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصل شكر الله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صحَّ أنه كان يصوم يوم الاثنين ويقول: «ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه» رواه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على مِنَّة الله تعالى عليه وعلى الأمة به، فالتأسي به صلى الله عليه وآله وسلم بشكر الله تعالى على مَنِّه وكَرَمه بنعمة وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأي مظهر من مظاهر الشكر، ومنها الإطعام والمديح والاجتماع للذكر والصيام والقيام وغير ذلك، لا يخرج عن أصل هذه السُّنَّة.

وأكدت أن هذا الاحتفال منه صلى الله عليه وآله وسلم ومن الأمة من بعده إنما هو تطبيق عمليٌّ لما جاء به القرآن الكريم، في قول الله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5]، ومِن أيام الله تعالى: أيامُ نصره لأنبيائه وأوليائه، وأيام مواليدهم، وأعظمُها قدرًا مولدُ سيدهم صلى الله عليه وسلم.

وقد شرَّف الله تعالى أيام مولد الأنبياء عليهم جميعًا الصلاة والسلام، وجعلها أيامَ خيرٍ وسلامٍ، فقال سبحانه عن سيدنا يحيى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ [مريم: 15]، وعن سيدنا عيسى ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33]، وجاء في "صحيح مسلم" في فضل يوم الجمعة وبيان مكانته وذكر مزاياه من أنه اليوم الذي خُلق فيه سيدنا آدم عليه السلام، ومن ثمَّ فهو يوم مبارك، وعلى ذلك يكون تخصيصُ يومٍ لذكرى ميلاد أي نبي من أنبياء الله تعالى من باب تشريف ذلك الزمان، وفي يوم الميلاد نعمةُ الإيجاد، وهي سبب كل نعمة بعدها، فكيف باليوم الذي ولد فيه خير الأنبياء والمرسلين!! فيومُ مولده صلى الله عليه وآله وسلم سببُ كلِّ نعمة في الدنيا والآخرة.

وتابعت الإفتاء: النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعظم فضل الله على البشرية، فالفرح به وبمولده فرحٌ بفضل الله تعالى، يقول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الرحمةُ العظمى إلى الخلق كلهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "رحمتُه: مُحَمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]" أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" وأبو الشيخ في "تفسيره".

وإذا كان الفرح بمولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم قد عاد نفعه على غير المسلمين، فحصول النفع بالفرح في حقِّ المسلمين أولى وآكد، ففي "صحيح البخاري" من طريق عُرْوَة بنِ الزُّبَيْر مجزُومًا به: قال عُرْوَةُ: "وثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لِأَبِي لَهَبٍ: كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ"، وأخرجه عبد الرزَّاق بسنده في "المصنف".

تخفيف العذاب عن أبو لهب لفرحه بمولد النبي

وجاء في "الروض الأنف" للسهيلي (5/ 191-192، ط. دار إحياء التراث العربي) أنَّ بعض أهل أبي لهب رآه في المنام في شرِّ حالٍ، فقال: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عنى كلَّ يومِ اثنين، وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وكانت ثُويبة قد بشرته بمولده، فقالت له: أشعرت أن آمنة ولدت غلامًا لأخيك عبد الله؟ فقال لها: اذهبي، فأنت حرة، فنفعه ذلك، وهو في النار. اهـ مختصرًا.

وشدد الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية: ما تقومون به من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بصنوف الطاعات والعبادات في اليوم الذي وافق ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أمرٌ مندوبٌ شرعًا، ويحصُل به الأجر والثواب.

تم نسخ الرابط