سليم سحاب: فقدان الموسيقى القومية يضعف انتماءنا الوطني

في حوار خاص، أكد المايسترو الكبير سليم سحاب أن الموسيقى ليست مجرد أصوات متناغمة أو ألحان للترفيه، وإنما هي لغة قومية تعبّر عن هوية الشعوب وتاريخها وروحها الجمعية. وأشار إلى أن الابتعاد عن الموسيقى القومية أو الانصراف عنها لصالح أنماط دخيلة، يُفقد المجتمع جزءًا أصيلًا من انتمائه وهويته.
وأوضح سحاب خلال حوار ببرنامج “ أخر النهار ”، عبر فضائية “ النهار ”، مع الإعلامي تامر أمين، مساء اليوم أن الموسيقى القومية بحروف عالمية، فهي قادرة على الوصول إلى الآخر مهما كان انتماؤه أو ثقافته، لكنها تظل مشبعة بروح الأمة التي أبدعتها، مشيرًا إلى أن مصر والعالم العربي بحاجة ماسّة إلى إعادة الاعتبار للموسيقى التي صنعت هويتهم الفنية.
الانتماء الموسيقي مرآة الانتماء الوطني
وقال المايسترو سليم سحاب إن الانتماء للموسيقى القومية ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية، لأنها تعكس هوية الأمة أمام نفسها وأمام العالم ، وأضاف: "حين نتخلى عن موسيقانا القومية ونستبدلها بموسيقى استهلاكية عابرة، فإننا نتنازل عن جزء من شخصيتنا الثقافية، ونصبح أسرى لثقافات أخرى".
وأشار سحاب إلى أن هناك أمثلة عديدة على شعوب نجحت في فرض موسيقاها القومية كجزء من قوتها الناعمة، مثل إسبانيا بموسيقى الفلامنكو، وإيطاليا بالأوبرا، والهند بألحانها التقليدية، مؤكدًا أن مصر والعالم العربي يمتلكان تراثًا موسيقيًا قادرًا على أن ينافس عالميًا لو تم الاهتمام به.
الموسيقى القومية جسر نحو العالم
أوضح المايسترو أن الموسيقى القومية قادرة على أن تكون لغة عالمية إذا ما قُدمت باحترافية، لأنها تعكس روح الأمة وتاريخها، ومن خلالها يمكن للشعوب الأخرى أن تتعرف علينا وتفهم ثقافتنا.
وأضاف أن سيد درويش مثال حي على ذلك، إذ استطاع بألحانه أن يخلّد صورة مصر الوطنية والقومية، وجعل العالم ينظر إلى الفن المصري باعتباره صوت ثورة وإبداع،وقال: "لو لم يكن سيد درويش قوميًا في فنه، لما وصل إلى قلوب المصريين ولا إلى قلوب العالم".
أزمة الحاضر.. ابتعاد عن الجذور وركض وراء العابر
وانتقد سحاب ما وصفه بـ"الابتعاد عن الجذور"، حيث طغت موجة موسيقى استهلاكية سريعة لا تحمل مضمونًا قوميًّا أو فنيًا حقيقيًا. وأوضح أن هذه الأنماط، رغم انتشارها، لا تُعبّر عن الهوية ولا تعكس صورة الأمة أمام الأجيال القادمة.
وأكد أن الخطر الحقيقي يكمن في أن الأجيال الجديدة قد تنشأ وهي لا تعرف موسيقاها القومية، مما يؤدي إلى فقدان الرابط الثقافي والانتماء الفني، وهو ما يُضعف الوجدان الجمعي ويُعرّض الأمة لفقدان جزء من هويتها.
سليم سحاب: الموسيقى القومية بحروف عالمية
وشدد سحاب على أن الموسيقى القومية لا تعني الانغلاق على الذات، بل هي مفتاح للحوار مع العالم. فهي تبدأ قومية لكنها تخاطب الآخر بحروف عالمية يفهمها كل إنسان.
وقال: "الفن القومي ليس عائقًا أمام العالمية، بل هو بوابة لها، فمن لا جذور له لا يمكن أن يكون عالميًا، ومن يفتقد لهويته لا يستطيع أن يخاطب الآخر بصدق". وأكد أن قوة الموسيقى تكمن في أصالتها، وأن المستمع الأجنبي حين يسمع موسيقى أصيلة سيشعر بخصوصيتها، وهذا سر جاذبيتها.
مسؤولية الدولة والمجتمع تجاه الموسيقى القومية
وطالب المايسترو بأن تتحمل المؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية مسؤولية إعادة الاعتبار للموسيقى القومية في مناهج التعليم وفي الإعلام، حتى لا تضيع هويتنا الفنية وسط زحام الأنماط السريعة والاستهلاكية.
وأشار إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن الجمهور ينجذب دومًا للفن الأصيل، والدليل أن أغاني التراث المصري والعربي ما زالت تُردد حتى اليوم، بينما تندثر الأغاني السطحية بسرعة، مؤكداً أن الموسيقى القومية ليست للماضي فقط، بل هي استثمار للمستقبل.
دعوة لإحياء الروح القومية في الفن
وقال: "مستقبلنا الفني مرهون بقدرتنا على التمسك بموسيقانا القومية. نحن بحاجة إلى نهضة فنية ترد الاعتبار لقيمة الموسيقى كهوية وانتماء". وأضاف أن هذه النهضة ليست مهمة الفنانين وحدهم، بل مسؤولية المجتمع بأسره، لأنها تمثل أحد أعمدة الأمن الثقافي القومي.
واختتم سليم سحاب حديثه بتوجيه دعوة للفنانين الشباب إلى العودة للجذور القومية، والعمل على تطويرها بأسلوب معاصر يواكب روح العصر دون أن يفقد أصالته.