سليم سحاب: الفن ليس ترفيهاً.. بل رسالة تبني وعي الشعوب

عندما يتحدث المايسترو سليم سحاب، أحد أعمدة الموسيقى العربية في العصر الحديث، يلتفت الجميع للاستماع إلى تجربته ورؤيته العميقة يؤكد سحاب أن الفن ليس مجرد وسيلة للترفيه أو التسلية، بل هو "رسالة كبرى تحمل في طياتها قيماً إنسانية، وتبني وعياً فكرياً وجمالياً للمجتمع".
وأضاف خلال حوار ببرنامج" أخر النهار “، عبر فضائية ” النهار "، أن "الموسيقى ليست نغماً يطرب الأذن فقط، بل هي رسالة تتغلغل في وجدان الإنسان، وتدفعه نحو الحب، السلام، والانتماء".
الفن كقوة ناعمة تصنع التغيير
يرى المايسترو أن الفن يمتلك قوة ناعمة تتجاوز حدود السياسة والاقتصاد. "الأغنية قد تغيّر وجدان أمة، واللحن قد يزرع السلام في النفوس"، بهذه الكلمات يلخص سحاب علاقة الفن بالمجتمع.
فالفنان ليس مجرد مؤدٍ على المسرح، بل هو صوت الناس وأحلامهم، ورسول القيم الإنسانية في عالم مليء بالصراعات. ويشير سحاب إلى أن الفن الراقي قادر على مواجهة موجات العنف والكراهية، عبر ترسيخ مفاهيم الجمال والمحبة.
تاريخ الموسيقى العربية شاهد على رسالتها
يستحضر المايسترو تاريخ الموسيقى العربية ليؤكد رسالته، فيقول: "أم كلثوم لم تكن مجرد مطربة، بل كانت رمزاً للأمة العربية بصوتها الذي جمع الملايين. وعبد الوهاب لم يكن مجرد ملحن، بل صانع هوية فنية شكلت الوعي الجمعي".
ويضيف أن الجيل الجديد من الفنانين مطالب باستعادة هذه الروح، لأن الفن الحقيقي لا يُقاس بعدد المشاهدات أو الأغاني الرائجة، وإنما بما يتركه من أثر في وجدان الناس.
الفن رسالة أخلاقية وإنسانية قبل أن يكون وسيلة للترفيه
يؤكد سليم سحاب أن كل عمل فني يجب أن يحمل قيمة أخلاقية أو إنسانية. "حينما يقف الفنان على المسرح، فهو مسؤول عن عقول وقلوب الآلاف ممن يستمعون إليه"، يقول سحاب.
ويحذر من أن الفن الهابط يحول الموسيقى إلى مجرد لهو، ويفرغها من قيمتها الأساسية، بينما الفن الحقيقي هو من "يُربي الذائقة ويرفع الحس الإنساني".
مسؤولية الفنان أمام جمهوره
يشدد المايسترو على أن الفنان ليس مجرد شخص يسعى للشهرة أو المال، بل هو قدوة ومُلهم. ويضيف: "الفنان الذي يعي دوره يدرك أن كل كلمة أو لحن يقدمه، قد يغير سلوك جيل كامل".
ويضرب مثالاً بأن الأغاني الوطنية في الحروب لعبت دوراً لا يقل عن دور الجنود في المعركة، إذ منحت الناس الأمل وعززت صمودهم.
الفن والتعليم.. علاقة تكاملية
يتوقف سحاب عند علاقة الفن بالتعليم، قائلاً: "لا يمكن بناء أمة متحضرة دون تربية فنية سليمة". فالموسيقى، في رأيه، ليست مجرد مادة ثانوية، بل هي جزء أصيل من تكوين الشخصية.
ويطالب بإعادة إدراج الموسيقى في المدارس والجامعات بشكل أساسي، لأن الفن يعلّم الانضباط، التعاون، والإبداع، وهي قيم يحتاجها كل مجتمع يسعى للنهوض.
رسالة الفن في بناء الهوية الوطنية
يعتبر المايسترو أن الفن هو "ذاكرة الأمة وصوت وجدانها". فالأغنية الوطنية، على سبيل المثال، قادرة على إذكاء روح الانتماء لدى الأجيال الجديدة.
ويضيف: "الفن ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية للمجتمعات التي تبحث عن الاستقرار والسلام". ويرى أن الفنان هو جندي في معركة الوعي، يحمل رسائل وطنية تعزز قوة المجتمع في مواجهة التحديات.
الموسيقى جسر للتواصل بين الشعوب
من منظور إنساني أشمل، يؤكد سليم سحاب أن الفن هو لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة. فالنغمة تصل إلى القلب مباشرة، وتلغي الفوارق بين الثقافات.
ويضرب مثلاً بأن حفلاته في مختلف دول العالم، حتى غير العربية، كانت تجد صدى واسعاً لدى الجمهور، لأن "الموسيقى لغة مشتركة تخلق جسور المحبة".
الفن ومقاومة التطرف
يطرح المايسترو رؤية مهمة حول دور الفن في مواجهة التطرف، قائلاً: "الإرهاب يعيش على القبح والظلامية، بينما الفن يزرع النور والجمال".
ولهذا، يرى أن نشر الثقافة الفنية الراقية بين الشباب هو أحد أهم أدوات مكافحة التطرف الفكري والسلوك العنيف، إذ أن الإنسان المبدع لا يمكن أن يكون متطرفاً.
مستقبل الفن العربي.. تحديات وفرص
ينهي سليم سحاب حديثه بالتأكيد على أن مستقبل الفن العربي يتوقف على إرادة الفنانين والجمهور معاً. فالجمهور، برأيه، شريك أساسي في صناعة الفن، وعليه أن يدعم الأعمال الهادفة، لا أن ينجرف وراء السطحية.
كما يشير إلى أن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي تمثل فرصة عظيمة لنشر الفن الجيد، لكنها في الوقت ذاته قد تكون سلاحاً خطيراً إذا لم تُستخدم لنشر القيم الراقية.
دعوة إلى عودة الروح للفن
يختتم المايسترو رسالته بدعوة مؤثرة: "ليكن فننا رسالة حب، لا وسيلة لهو. ليكن الفن أداة بناء، لا هدم. ولنتذكر دائماً أن الأمة التي تفقد فنها، تفقد روحها".