باب مدينة العلم.. ذكرى استشهاد الفتى الغالب علي بن أبي طالب

تحل اليوم الجمعة 21 رمضان 1446 هجريا، ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وفي السطور التالية نستعرض قبسًا من سيرته.
ذكرى استشهاد الفتى الغالب علي بن أبي طالب
هو باب مدينة العلم والعلوم، راية المهتدين ونور المطيعين، ولي المتقين وإمام العادلين، أقدمهم إجابة وإيمانا، وأقومهم قضية وإيقانا، وأعظمهم حلما، وأوفرهم علما، قدوة المتقين، وزينة العارفين، صاحب القلب العقول واللسان السؤول والأذن الواعي والعهد الوافي، علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أمير المؤمنين، أبو الحسن القرشي الهاشمي.
وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب. كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي ﷺ بالمدينة.
أول الناس إسلاما -في قول كثير من أهل العلم-، قال مجاهد : أول من صلى علي وهو ابن عشر سنين ،قال ابن عباس : أول من أسلم من الناس بعد خديجة علي.
وعن محمد القرظي، قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال: وازر ابن عمك وانصره وأسلم علي قبل أبي بكر.
وكان يكنى أبا تراب أيضا. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - بَيْتَ فَاطِمَةَ ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِى الْبَيْتِ فَقَالَ « أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ ؟ » . قَالَتْ : كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ شَىْءٌ ، فَغَاضَبَنِى فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِى . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - لإِنْسَانٍ : « انْظُرْ أَيْنَ هُوَ ؟» . فَجَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - وَهْوَ مُضْطَجِعٌ ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ :« قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ » .[صحيح البخاري]
مولد الإمام علي بن أبي طالب
ولد قبل البعثة بعشر سنين -على الصحيح- ؛ فربى في حجر النبي ﷺ ولم يفارقه ، وكان علي ممن ثبت مع رسول الله ﷺ يوم أحد حين انهزم الناس ،وبايعه على الموت . وبعثه رسول الله ﷺ سرية إلى بني سعد بفدك في مائة رجل ،وكان معه إحدى رايات المهاجرين الثلاث يوم فتح مكة ،وبعثه إلى اليمن ،ولم يتخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة غزاها إلا غزوة تبوك خلفه في أهله ، عن عطية حدثني أبو سعيد قال : غزا رسول الله ﷺ غزوة تبوك وخلف عليا في أهله.
فقال بعض الناس: ما منعه أن يخرج به إلا أنه كره صحبته. فبلغ ذلك عليا فذكره للنبي ﷺ فقال : أيا بن أبي طالب أما ترضى أن تنزل مني بمنزلة هارون من موسى . وعن عبد الله بن شريك قال سمعت عبد الله بن رقيم الكناني قال : قدمنا المدينة فلقينا سعد بن مالك فقال : خرج رسول الله ﷺ إلى تبوك وخلف عليا ، فقال له: يا رسول الله خرجت وخلفتني . فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".
وزوجه ابنته السيدة فاطمة عليها السلام ، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد ولما آخى النبي ﷺ بين أصحابه قال له : "أنت أخي". ومناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي. وقال غيره: وكان سبب ذلك بغض بني أمية له؛ فكان كل من كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يثبته، وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدث بمناقبه لا يزداد إلا انتشارا، وتتبع النسائي ما خص به من دون الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا بأسانيد أكثرها جيد، روى عن النبي ﷺ كثيرا ؛وروى عنه من الصحابة : ولداه الحسن والحسين، وابن مسعود ،وأبو موسى ،وابن عباس ،وأبو رافع ،وابن عمر ،وأبو سعيد ،وصهيب ،وزيد بن أرقم ،وجرير، وأبو أمامة ،وأبو جحيفة ،والبراء بن عازب ،وأبو الطفيل وآخرون ومن التابعين من المخضرمين أو من له رؤية .
وكان قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام، وكان أحد الشورى الذين نص عليهم عمر؛ فعرضها عليه عبد الرحمن بن عوف وشرط عليه شروطا امتنع من بعضها فعدل عنه إلى عثمان فقبلها فولاه وسلم علي وبايع عثمان، ولم يزل بعد النبي ﷺ متصديا لنصر العلم والفتيا، فلما قتل عثمان بايعه الناس ؛ثم كان من قيام جماعة من الصحابة منهم طلحة والزبير وعائشة في تهدئة الناس فكان من وقعة الجمل ما اشتهر؛ ثم قام معاوية في أهل الشام وكان أميرها لعثمان ولعمر من قبله ؛فدعا إلى الطلب بدم عثمان فكان من وقعة صفين ما كان ،وكان رأى علي أنهم يدخلون في الطاعة ؛ثم يقوم ولي دم عثمان فيدعى به عنده ،ثم يعمل معه ما يوجبه حكم الشريعة المطهرة ،وكان من خالفه يقول له : " تتبعهم واقتلهم" فيرى أن القصاص بغير دعوى ولا إقامة بينة ،وكان من الصحابة فريق لم يدخلوا في شيء من القتال ،وظهر بقتل عمار أن الصواب كان مع علي واتفق على ذلك أهل السنة ولله الحمد .
علي ابن أبي طالب في السنة
ومن خصائص الإمام علي قوله ﷺ يوم خيبر : ( لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه . فلما أصبح رسول الله ﷺ غدوا كلهم يرجو أن يعطاها فقال رسول الله ﷺ : أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا : هو يشتكي عينيه . فأتى به فبصق في عينيه فدعا له فبرأ فأعطاه الراية ) أخرجاه في الصحيحين من حديث سهل بن سعد ،ومن حديث سلمة بن الأكوع نحوه باختصار وفيه : "يفتح الله على يديه" ، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم نحوه ،وفيه قال عمر : " ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم ".
قال وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل: كان علي يقول سلوني سلوني عن كتاب الله تعالى ؛فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار .
وأخرج الترمذي عن عامر بن سعد عن أبيه قال: أمر معاوية سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ﷺ فلن أسبه؛ لأن تكون لي واحدا منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله ﷺ يقول، وخلف عليا في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان!؟ قال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".
وسمعت رسول الله ﷺ يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فدفعها إليه ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}، دعاه رسول الله ﷺ ، وفاطمة، وحسنا وحسينا، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي".
وأخرج أيضا وأصله في مسلم عن علي قال : لقد عهد إلى النبي ﷺ أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.
وأخرج الترمذي عن عمران بن حصين في قصة قال فيها قال رسول الله ﷺ : ما تريدون من علي ؟ إن عليا مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي .
ويروى عن أنس أن النبي ﷺ قال لابنته فاطمة: "قد زوجتك أعظمهم حلما، وأقدمهم سلما، وأكثرهم علما".
عن زيد بن أرقم، أن رسول الله ﷺ قال لعلي : "من كنت مولاه فعلي مولاه".
عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت بابه "
وفاة الإمام علي بن أبي طالب
توفي ليلة الأحد21 رمضان. وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص.
وكانت مدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ونصف شهر، لأنه بويع بعد استشهاد عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ،وكانت وقعة الجمل في جمادى سنة ست وثلاثين، ووقعة صفين في سنة سبع وثلاثين ،ووقعة النهروان مع الخوارج في سنة ثمان وثلاثين ،ثم أقام سنتين يحرض على قتال البغاة فلم يتهيأ ذلك إلى أن استشهد .