ما معنى حديث «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب»؟.. الإفتاء توضح

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» – أي مرة تسعة وعشرون ومرة ثلاثون – لا يُستدل به على تحريم أو إبطال العلوم الحديثة، ولا سيما علم الفلك والحسابات الفلكية المتعلقة برصد الأهلة وتحديد بدايات الشهور القمرية. وأكدت أن هذا الحديث لا يحمل أي نهي عن تعلم الكتابة أو الحساب أو غيرها من العلوم، بل هو وصف لواقع العرب والمسلمين في عصر النبوة، حيث كانت الأمية صفتهم الغالبة.
سياق الحديث ومعناه
ذكرت دار الإفتاء أن الحافظ ابن حجر العسقلاني بيّن في "فتح الباري" أن قول النبي «لا نكتب ولا نحسب» كان إخبارًا عن حال العرب آنذاك، الذين لم يكن فيهم انتشار للكتابة والحساب، بل كانوا يعتمدون على الرؤية البصرية للهلال، رفعًا للحرج عنهم لعدم إلمامهم بالعلوم الفلكية. وأضاف ابن حجر أن الكتابة والحساب لم يكونا معدومين بالكلية، ولكن كانا قليلين نادرين بين العرب، ولذلك علق الشرع حكم الصيام والإفطار بالرؤية البصرية التي يستطيعهـا جميع الناس.
لا تعارض بين الحديث وتطور العلوم
أشارت دار الإفتاء إلى أن النصوص الشرعية جاءت دائمًا متسقة مع مبدأ التيسير ورفع الحرج، فالأمة آنذاك كانت أمية، فجاءت الرؤية لتكون وسيلة عملية تناسب واقعهم. لكن هذا لا يعني أن يظل الحكم جامدًا رغم تغير الأحوال، إذ إن العلة المذكورة في الحديث هي الأمية وعدم معرفة الحساب، وإذا زالت العلة بانتشار العلم والمعرفة جاز الأخذ بالوسائل الموثوقة الأخرى مثل الحسابات الفلكية الدقيقة.
الحساب الفلكي أكثر ضبطًا من الرؤية البصرية
أكدت دار الإفتاء أن الحسابات الفلكية اليوم بلغت من الدقة والانضباط ما يجعلها وسيلة موثوقة بل تفوق الاعتماد على مجرد شهادة الرؤية البصرية التي قد يعتريها الوهم أو الخطأ أو حتى الكذب. فالعلم الفلكي قائم على رصد منظم لحركة الأجرام السماوية، وهي حركة مضبوطة ومنتظمة بقدرة الله تعالى لا يعتريها خلل، وبالتالي فإن الاستعانة به لا تتعارض مع مقاصد الشرع، بل تحقق مراده في إثبات دخول الشهر القمري على وجه اليقين والقطع.
رفع الالتباس عن المفهوم الشرعي
وختمت دار الإفتاء تقريرها بالتأكيد على أن حديث «إنا أمة أمية» لا يحمل أي دلالة على تحريم تعلم الكتابة أو الحساب أو الاعتماد على العلوم الحديثة، وإنما وصف لحال الأمة في ذلك الزمان. أما اليوم، ومع انتشار العلوم وتطورها، فلا مانع شرعًا من الاستفادة من الحسابات الفلكية الموثوقة في إثبات بدايات الشهور، لما في ذلك من دقة ويقين يحققان مقصود الشريعة.