قارة الموارد والشباب، قارة شاسعة، غنية بالموارد الطبيعية من معادن نادرة، نفط وغاز، أراضٍ زراعية خصبة ومياه عذبة، وتضم أكثر من 400 مليون شاب في سن العمل. هذه هي أفريقيا، القارة الشابه التي يمكن أن تصبح القوة الاقتصادية الكبرى القادمة إذا احسن استغلال مواردها البشرية والطبيعية .
استوقفنى تساؤل الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني فى ختام كلمته خلال زيارته الاخيره لمصر وهو مبتسما .. عن متى يمكن ان يكون الاتحاد والتعاون بين الدول فى القارة الأفريقية قوى وفعال على غرار الولايات المتحده فى القارة الأمريكية ، والدول المتحده فى القاره الأوروبية؟
التحديات العالمية وفرصة التكامل الأفريقي
في ظل أزمات جيوسياسية واقتصادية وتقلبات الأسواق العالمية، يظهر التكامل الاقتصادي الأفريقي كفرصة ذهبية لتعزيز التجارة البينية، خلق فرص استثمارية ضخمة، وتمكين الدول الأفريقية من مواجهة الصدمات الخارجية بثقة ومرونة.
التجارة البينية: أفريقيا مقابل أوروبا
رغم ثرواتها الهائلة، لا تزال التجارة البينية الأفريقية ضعيفة نسبيًا مقارنة بالاتحاد الأوروبي:
• حجم التجارة البينية في أفريقيا لا يتجاوز 16٪ من إجمالي التجارة القارية، بينما يصل حجم التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي إلى حوالي 70٪.
• منذ عام 2020، استثمر البنك الأفريقي للتنمية وبنك التصدير والاستيراد الأفريقي 65 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية، لكن العجز السنوي يُقدر بأكثر من 100 مليار دولار.
هذه الفجوة تؤكد الحاجة الماسة لتسريع التكامل الاقتصادي وبناء البنية التحتية للتجارة البينية.
الموارد الطبيعية والشباب: الفرصة الذهبية لأفريقيا
القارة الأفريقية غنية بالموارد الطبيعية :
• نفط وغاز: مركز عالمي للطاقة.
• معادن نادرة: حيوية للصناعات التكنولوجية الحديثة مثل البطاريات والإلكترونيات.
• أراضٍ زراعية خصبة ومياه عذبة: يمكن أن تجعل القارة مخزن الغذاء العالمي.
أما الشباب فيمثلون قوة دفع ضخمة للنمو الاقتصادي:
• أكثر من 400 مليون شاب بين 15 و35 عامًا.
• شرق أفريقيا وحدها تضم حوالي 550 مليون نسمة، مقارنة بعدد سكان الاتحاد الأوروبي البالغ 448 مليون نسمة.
• نسبة الشباب في الاتحاد الأوروبي (15-24 سنة) لا تتجاوز 10.7٪، بينما في أفريقيا تشكل شريحة واسعة قادرة على الابتكار وريادة الأعمال إذا تم استثمارها بالشكل الصحيح.
أبرز التحديات أمام التجارة البينية
١. ضعف البنية التحتية للنقل والطاقة والاتصالات.
٢. الحواجز التجارية والجمركية المعقدة.
٣. محدودية القدرات الإنتاجية واعتماد معظم الدول على تصدير المواد الخام.
٤. صعوبة الوصول إلى التمويل اللازم للتجارة.
٥. نقص المعلومات والثقة بين الشركاء التجاريين.
٦. النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي.
٧. التحديات البيئية والتغيرات المناخية.
الفرص لتعزيز التكامل الاقتصادي
• تطوير شبكات النقل والطاقة والاتصالات.
• إزالة الحواجز الجمركية وتوحيد اللوائح التجارية.
• الاستثمار في الشباب من خلال التعليم والتدريب وريادة الأعمال.
• تشجيع التمويل المحلي والإقليمي لتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.
• تعزيز الثقة بين الدول عبر شراكات واضحة واتفاقيات اقتصادية عادلة.
مشاريع مشتركة واستثمار عادل: نموذج للنمو المتوازن
ضرورة إطلاق مشاريع ضخمة مشتركة بين الدول الأفريقية، بحيث يُقسم الاستثمار والموارد والخبرة والإدارة بنسب متوازنة. هذه المشاريع ستوفر فرص عمل، تعزز الإنتاجية، وتحقق الأمن الغذائي والطاقة، بما يتوافق مع نظرية كينز في تحفيز الاستثمار والطلب الكلي.
نحو “الولايات المتحدة الأفريقية”
الهدف الاستراتيجي هو تأسيس كيان اقتصادي أفريقي متكامل قادر على إدارة موارده بشكل مستدام، وتعزيز قدرته التنافسية عالميًا. هذا الكيان سيُمكّن القارة من السيطرة على الغذاء والدواء والطاقة، وفتح أسواق داخلية ضخمة، وجذب الاستثمارات الأجنبية بشروط عادلة.
دور مصر الفعال في تعزيز التكامل الأفريقي
قامت مصر بدور قيادي خلال السنوات الماضية في دفع ملف التكامل الاقتصادي الأفريقي، من خلال:
• دعم برامج التنمية في دول حوض النيل.
• تفعيل منتديات الأعمال المشتركة بين مصر والدول الأفريقية.
• تشجيع القطاع الخاص والاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل الزراعة والصناعات الدوائية ومواد البناء.
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اكثر من مرة أن تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأفريقية ضرورة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي والطاقة، وخلق قوة اقتصادية قادرة على المنافسة عالميًا.
كمّا يؤكد سيادته دائما على سعى مصر الدائم للتعاون لا للصراع، ولكن مخطئ من سيتوهم أن مصر ستغض الطرف عن تهديد وجودي لأمنها المائي، وسنظل متابعين وسنتخذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي للحفاظ على مقدرات شعبنا الوجودية.
خاتمة
التكامل الاقتصادي الأفريقي ليس حلمًا بعيدًا، بل مسؤولية الإدارة الحكيمة والإرادة السياسية. الاستثمار الذكي في الموارد، تعزيز التجارة البينية، ودعم القطاع الخاص ورواد الأعمال سيمكن القارة من تحويل التحديات إلى فرص نمو وازدهار اقتصادي مستدام، ويضع أفريقيا على خريطة الاقتصاد العالمي كقوة حقيقية.