يسير فى خطّين متوازيين.. وكيل الأزهر يكشف ملامح التجديد الديني فى فكر الإمام الطيب

سلط الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، خلال حديثه عن فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والذكرى الـ 15 على توليه المشيخة، الضوء على مسألة التجديد.
الإمام الطيب في مسيرة الخمسة عشر عامًا منذ توليه مشيخة الأزهر
وقال الضويني: «قاد فضيلته عملية تطوير شاملة في جميع قطاعاته، وذلك تأكيدًا لمسئولية الأزهر الشريف الدينية والحضارية، وإعمالًا لدوره في أداء رسالته العالمية، ونشرًا لها على أكمل وجه، لا سيما في ظل ما يواجهه عالمنا اليوم من تحديات».
وأضاف: «الإمام الطيب في مسيرة الخمسة عشر عامًا منذ توليه مشيخة الأزهر الشريف وحتى الآن، أزاح الغبار عن الرصيد الحضاري، والموروث الفكري والروحي، من علوم العقل والنقل والذوق، بعدما أوشك أن ينطفئ أنواره، وتنطمس معالمه في فترات ظلام حالك مرت بالعالم الإسلامي».
وتابع: «فضيلته يدرك طبيعة المرحلة الراهنة، وما تحتاجه من بذل المزيد من الجهود المدروسة التي تحقق الأهداف المنشودة، وتدعم جهود الدولة في التنمية الشاملة، ونشر الوعي بالفكر الصحيح الذي يحمى الناس بمختلف فئاتهم العمرية من الانحراف الفكري، ويساعد على بناء منظومة القيم والأخلاق، ومواجهة المخاطر التي تهدد ثقافة الفرد والمجتمع».
ولفت إلى أنه قد كان محور اهتمامات فضيلته -إقليميًا وعالميًا- انطلاقًا من عالمية الأزهر ودوره في الدفاع عن كل ما يواجه العالم الإسلامي والإنسانية من أزمات وقضايا فكريةً ملحةً- استعادة منظومة القيم الأخلاقية، والتجديد، ومواجهة التطرف، ونصرة القضية الفلسطينية والقضايا الإنسانية العادلة، وبيان صورة الإسلام الصحيحة ونشر ثقافة الحوار وتعزيز السلم والتعايش المشترك.
ولتحقيق ذلك قام الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر بتعزيز التعاون مع جميع المؤسسات والهيئات المعنية في الدولة وخارجها، من أجل العمل على نشر ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر، ودعم الحوار الهادف والبناء وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال، وإيجاد حلول فعالة للمشكلات المجتمعية والأخلاقية التي تواجه المجتمع الإسلامي، والمخاطر التي تهدد أمنه واستقراره.
التجديد الديني في فكر الإمام الطيب
وقال: «إن التجديد الذي ينشده الإمام الطيب، وينادى به، ويعمل على تحقيقه، ينطلق من القرآن الكريم وصحيح السنة، وصريح المنقول، ويحافظ على الأصول، ويبنى عليها، ويعرف الثوابت، ويستمسك بها، ويدرك المتغيرات، ويلين معها، وينفتح على الآخرين؛ ليفيد ويستفيد».
وبين أن المتحدثين عن التجديد الديني وضرورته وأهميته بالنسبة للواقع والمستقبل كثيرون، معتبرا أن ذلك ا أمر محمود لا شك فيه، لكن "قليلًا منهم من يستوعب الفهم الصحيح لعملية التجديد الديني وآليات تطبيقه على الواقع المعاصر، وهو ما يقوم به الإمام الطيب، الذي يحرص دائمًا على البعد التجديدي في كل أطروحاته الفكرية، وذلك بقراءة دقيقة للواقع، وتصور للقضايا المعاصرة بكل جوانبها".
وشدد على أن التجديد خاصة لازمة من خواص دين الإسلام، نبه عليها النبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) [أخرجه أبوداود].
ولقد أعجبت كثيرًا بالاستدلال المنطقي الذي صاغه الإمام الطيب ليبرهن على ضرورة التجديد وهو قوله: «إننا إذا سلمنا أن رسالة الإسلام رسالة عامة للناس جميعًا، وأنها باقية وصالحة لكل زمان ومكان، وأن النصوص محدودة والحادثات لا محدودة؛ فبالضرورة لا مفر لك من إقرار فرضية التجديد آلة محتمة لاستكشاف حكم الله في هذه الحوادث».
ويرى فضيلته أن التجديد ينبغي أن يسير في خطين متوازيين: خط: ينطلق فيه من القرآن والسنة -أولًا وبشكل أساسي- ثم مما يتناسب ومفاهيم العصر من كنوز التراث بعد ذلك.
وخط موازٍ: ننفتح فيه على الآخرين؛ بهدف استكشاف عناصر التقاء يمكن توظيفها في تشكيل إطار ثقافي عام يتصالح فيه الجميع، ويبحثون فيه عن صيغة وسطى للتغلب على المرض المزمن الذي يستنزف طاقة أي تجديد واعد، ويقف لنجاحه بالمرصاد.
كما يرى أن التجديد صناعة دقيقة، لا يحسنها إلا الراسخون في العلم، وعلى غير المؤهلين تجنب الخوض فيه حتى لا يتحول التجديد إلى تبديد.
هذا، وقد أدرك الإمام الأكبر أن التجديد كي يؤتى ثمرته المرجوة، ويحقق الأهداف المنشودة منه، لا بد من استخدام استراتيجيات جديدة لنشر الدين الوسطى، والفكر المستنير، وتقديم خطابات تواجه خطابات العنف والكراهية والتشدد والإرهاب، وتقديم محتوى يؤسس للوسطية، ويرفض ما سواها من الغلو والتطرف، ويعمل على نقض وتفكيك خطابات التشدد والتحلل، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يهدف مثيروها إلى النيل من الدين الإسلامي والمنتسبين له.
وبإيجاز أوضح الضويني: إن التجديد لازم من لوازم الشريعة الإسلامية، لا ينفك عنها؛ لمواكبة مستجدات العصور وتحقيق مصالح الناس، والنصوص القطعية في ثبوتها ودلالتها لا تجديد فيها بحال من الأحوال، أما النصوص الظنية الدلالة فهي محل الاجتهاد، تتغير الفتوى فيها بتغير الزمان والمكان وأعراف الناس، شريطة أن يجيء التجديد فيها على ضوء مقاصد الشريعة وقواعدها العامة، ومصالح الناس.
كما أن التجديد بمفهومه الصحيح ضرورة مجتمعية، وفريضة حضارية تشتد الحاجة إليه في وقت توصف فيه أحكام الإسلام وتراثه بالجمود والانغلاق، وفى وقت تتجدد فيه الحياة، وتقتضي متغيراتها المتسارعة أحكامًا مرنة، تستجيب للواقع من جهة، ولا تناقض الثابت المستقر من الأحكام من جهة أخرى، وأن الانغلاق وعدم الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى يؤدى إلى حالة من العزلة والجمود وعدم الإحساس بالحراك الثقافي والتنوع المعرفي الموجود في العالم.
واختتم بأن الأزهر يعمل على تجديد الخطاب الديني وفق أسس ومعايير التجديد على مر تاريخه في إطار دوره المحوري والرئيسي في مجال الدعوة داخل مصر وخارجها، كما يعمل على تحصين المجتمع المصري من الأفكار المتطرفة والدخيلة على ثقافته، ولا يزال، بقيادة الإمام الأكبر بما يقدمه من خدمات معرفية وثقافية وتوعوية وإفتائية، يقود التجديد الديني المعاصر؛ انطلاقًا من المسئولية الدينية والمجتمعية التي تحملها، وإيمانًا منه بضرورة قراءة الواقع والتوفيق بينه وبين أصول الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وهذا لا لشيء إلا لمنهجيته الرصينة في التعامل مع المستجدات.