صلح الحديبية نموذجًا.. عمرو خالد يشرح التفاوض والتسامح في السيرة النبوية |فيديو

كشف الداعية الإسلامي الدكتور عمرو خالد، عن أحد المبادئ النبوية المهمة في التعامل مع النزاعات والخصومات، والتي تقوم على تفادي الصدام واللجوء إلى الحوار والتفاوض، بدلاً من المواجهة المباشرة.
وأكد خلال الحلقة التاسعة عشرة من برنامجه الرمضاني "نبي الإحسان" أن التفاوض يحتاج إلى صبر طويل، والاستعداد للتنازل عن جزء من الحق أحيانًا، وذلك لتجنب المواجهات العنيفة التي قد تؤدي إلى نتائج كارثية.
الخلافات العائلية والمجتمعية
وأشار خالد إلى أن هذه القاعدة تنطبق بشكل خاص على الخلافات العائلية والمجتمعية، مثل صراعات الطلاق، نزاعات الشركاء، ومشاكل الميراث، التي قد تؤدي إلى قطيعة وفتن بين الأقارب.
واستشهد بقول الله تعالى: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم"، مؤكدًا أن نهج النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يقوم على لمّ الشمل، وليس الصدام والخصام.
التفاوض بديل الصدام
وأوضح خالد أن العرب قبل الإسلام كانوا يعتمدون على الحروب لحل النزاعات، لكن النبي صلى الله عليه وسلم، جاء ليغير هذه الثقافة، ويؤسس لمبدأ التفاوض السلمي والصبر على الاستفزاز، حتى في أشد المواقف. وأبرز صلح الحديبية كنموذج حيّ على هذا النهج، حيث كان ثمرة 15 عامًا من الإعداد والتخطيط، وليس مجرد اتفاق لحظي.
وأضاف أن النبي، صلى الله عليه وسلم، اختار تفويت الصدام مع قريش، رغم التحديات، من أجل تحقيق سلام طويل الأمد، وهو ما جعله يقبل ببعض التنازلات الشكلية لصالح مصلحة كبرى للمسلمين، رغم اعتراض بعض الصحابة آنذاك.
صلح الحديبية
بدأت القصة عندما قرر النبي، صلى الله عليه وسلم، الخروج مع 1400 من الصحابة لأداء العمرة، دون أي نية للقتال، بل كانوا يرتدون ملابس الإحرام ويحملون معهم الهدي، في إشارة واضحة إلى السلمية. لكن قريش كانت في موقف صعب، فإما أن تسمح لهم بالدخول وتعترف عمليًا بالإسلام كقوة صاعدة، أو تمنعهم فتخسر شرعيتها كحامية للحرم، خاصة أن أحد الأعراف المتوارثة عند العرب هو حرية دخول مكة للعبادة.
وفي ظل هذا المأزق، لجأت قريش إلى المراوغة والمفاوضات الطويلة، حيث أرسلت عدة مبعوثين، مثل بديل بن ورقاء، مكرز بن حفص، حليس بن علقمة، وعروة بن مسعود، لمراقبة موقف النبي صلى الله عليه وسلم.
بينما أرسل النبي عثمان بن عفان للتفاوض، لكن احتجازه لفترة قصيرة أدى إلى انتشار شائعة عن مقتله، مما دفع الصحابة إلى مبايعة النبي في بيعة الرضوان، التي نزل فيها قول الله تعالى:"لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" (الفتح: 18).
بنود صلح الحديبية
بعد المفاوضات، أرسلت قريش أخيرًا سهيل بن عمرو لعقد الصلح، وجاءت بنوده على النحو التالي: "عودة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة دون أداء العمرة ذلك العام، على أن يعودوا العام المقبل. وقف الحرب بين الطرفين لمدة عشر سنوات. إعطاء الحرية للقبائل في الانضمام إلى المسلمين أو إلى قريش؛ إلزام المسلمين بإعادة أي شخص من قريش ينضم إليهم دون إذن وليّه، بينما لا تلتزم قريش بإعادة من ينضم إليها من المسلمين".

النبي يقبل الشروط
رغم أن بعض الصحابة رأوا أن هذه الشروط ظالمة، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك أن الهدف الأهم هو تحقيق السلام، وتجنب الصدام المسلح الذي قد يستنزف المسلمين. كما أن هذا الاتفاق سمح للإسلام بالانتشار الهادئ بين القبائل العربية، حتى أن عامين فقط بعد الصلح شهدَا تضاعف عدد المسلمين بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى فتح مكة لاحقًا دون قتال.
وأكد الدكتور عمرو خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يبحث عن انتصار فوري، بل كان ينظر إلى الصورة الأشمل، وهو ما جعل هذا الاتفاق نقطة تحول في التاريخ الإسلامي، وأحد أعظم الانتصارات السياسية التي قادها النبي بحكمته وصبره.