عاجل

الإيجار القديم بين فقه الشعراوي والتشريع: قراءة في ملامح الفترة الانتقالية

الشعراوي وقانون الايجارات
الشعراوي وقانون الايجارات

تمثل قضية الإيجار القديم في مصر إحدى القضايا الاجتماعية والاقتصادية المتشابكة التي استمرت لعقود، بين مطالبات الملاك بتحرير العلاقة التعاقدية وإعادة تسعير الإيجارات بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي، وبين تخوفات المستأجرين من فقدان مساكنهم أو أعباء مالية تفوق قدرتهم.

وفي ظل دخول القانون الجديد للإيجار القديم حيز التنفيذ، تعود إلى الواجهة تصريحات نادرة للإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، التي أذاعها مؤخرًا الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والتي تقدم رؤية شرعية متوازنة يمكن أن تسهم في فهم فلسفة التشريع الجديد.

الشعراوي في المعاملات الإيجارية

أوضح محمد متولي الشعراوي في كلمته أن الإسلام وضع خمسة مقاصد أساسية هي: حفظ المال، والعقل، والدين، والعرض، والنفس، وأن أي معاملة مالية أو عقدية يجب أن تراعي هذه المقاصد.

وأشار محمد متولي الشعراوي إلى أن قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" تمثل أساس التعامل بين الناس، بما في ذلك العقود الإيجارية، مؤكدًا أن رضا الطرفين شرط أساسي لصحة العقد، وأن أي عقد يتم تحت ضغط أو في ظل اختلال ميزان العدالة يفتقد للشرعية الحقيقية.

أمثلة واقعية من الإيجار القديم

ضرب محمد متولي الشعراوي مثالًا بالعقود الإيجارية القديمة التي ظلت قيمتها الإيجارية ثابتة لعقود طويلة، رغم التغيرات الكبيرة في مستوى الأسعار، مما أضر بمصالح الملاك وأخل بمبدأ العدالة.

وأكد محمد متولي الشعراوي أن التشبث بالقوانين القديمة إذا كان يضر بطرف على حساب الآخر، لا يتفق مع روح الشريعة، حتى لو كان قانونيًا.

التوازن بين المالك والمستأجر

مع دخول القانون الجديد للإيجار القديم حيز التنفيذ، اعتبارًا من مطلع الشهر المقبل، تبدأ نحو 1.88 مليون وحدة سكنية خاضعة للنظام القديم في سداد قيمة إيجارية لا تقل عن 250 جنيهًا شهريًا كحد أدنى، وذلك للوحدات غير السكنية.

ويستهدف القانون تحقيق توازن عادل بين حقوق الملاك والمستأجرين، عبر رفع تدريجي للقيمة الإيجارية على مدى فترة انتقالية.

تصنيف وتحديد القيم الجديدة

تنص أحكام القانون على تصنيف المناطق السكنية إلى ثلاث مستويات: متميزة، ومتوسطة، واقتصادية، بحيث تصل الزيادات إلى 20 ضعفًا للمناطق المتميزة، و10 أضعاف للمتوسطة، و5 أضعاف للاقتصادية.

كما تعتزم الحكومة إطلاق منصة إلكترونية لتلقي طلبات المتضررين، وتوفير وحدات بديلة للفئات غير القادرة.

الجذور التاريخية للقانون

تعود أزمة الإيجار القديم إلى عقود مضت حينما فرضت الدولة قيودًا صارمة على القيم الإيجارية لحماية المستأجرين في ظل ظروف اقتصادية صعبة، لكن هذه القوانين لم تواكب التطورات الاقتصادية والتضخم المتراكم.

ومع مرور الوقت، تحول الوضع إلى خلل اقتصادي وتشوه في سوق العقارات، حيث أصبح كثير من الملاك يتقاضون إيجارات لا تتجاوز عشرات الجنيهات عن وحدات تساوي مئات الآلاف.

الأبعاد الاجتماعية

ورغم أن هذه القوانين وفرت حماية لشرائح واسعة من محدودي الدخل، إلا أنها تسببت في تجميد جانب كبير من السوق العقاري، وحرمت الملاك من الاستفادة العادلة من ممتلكاتهم، وأدت إلى إغلاق مئات الآلاف من الوحدات لعدم جدوى استغلالها.

من منظور شرعي، ينسجم القانون الجديد مع ما دعا إليه الشعراوي من ضرورة إعادة النظر في العقود التي تفتقد للرضا المتبادل، فالقانون يمنح فترة انتقالية، ويتيح التدرج في رفع الإيجارات، ما يخفف من حدة الصدمة على المستأجرين ويمنحهم فرصة للتأقلم.

"لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل"

استشهد الشعراوي بآية "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" للتأكيد على أن أخذ حق الغير تحت غطاء قانوني لا يبيحه الشرع، وهذا ينطبق على من يتمسك بدفع إيجارات زهيدة جدًا رغم أن القيمة السوقية للوحدة تضاعفت عشرات المرات.

حدد القانون فترة انتقالية تصل إلى سبع سنوات للوحدات السكنية، وخمس سنوات للوحدات غير السكنية، قبل تحرير العلاقة التعاقدية بالكامل، وبعد انتهاء هذه الفترة، تعود الوحدات إلى الملاك، وتخضع أي عقود جديدة للقانون المدني الذي يقوم على مبدأ حرية التعاقد.

أرقام تكشف حجم القضية

وفق بيانات الحكومة، هناك نحو 3 ملايين وحدة بنظام الإيجار القديم، 64% منها في القاهرة والجيزة والإسكندرية، و74% من الأسر تدفع أقل من 200 جنيه شهريًا.

رغم بدء تنفيذ القانون، هناك دعاوى أمام المحكمة الدستورية للطعن عليه، أبرزها رفض المستأجرين الإخلاء بعد الفترة الانتقالية، واعتراضهم على شرط الإخلاء الفوري لمن يمتلك وحدة أخرى، ويؤكد المستشارون القانونيون أن القانون دستوري حتى يثبت العكس.

موقف الحكومة من القانون 

أكد وزير الشؤون النيابية والقانونية أن القانون صدر بعد دراسة شاملة ويتفق مع أحكام الدستور، وأن تطبيقه سيبدأ فعليًا خلال أشهر، مع تحديد الحد الأدنى للإيجارات الجديدة.

يرى الخبراء أن القانون الجديد سيسهم في تنشيط سوق العقارات وزيادة المعروض من الوحدات، مع تحسين عوائد الملاك وتشجيع الاستثمار في القطاع العقاري، كما أن تحرير العلاقة التعاقدية سيؤدي إلى استخدام أكثر كفاءة للمساكن المغلقة.

<strong>قانون الايجارات القديم </strong>
قانون الايجارات القديم 

المكاسب للملاك والمستأجرين

الملاك سيحصلون على عوائد عادلة، والمستأجرون سيستفيدون من فترة انتقالية تتيح لهم البحث عن بدائل مناسبة أو التفاوض على عقود جديدة.

إن الجمع بين رؤية الشعراوي التي تركز على رفع الضرر وتحقيق الرضا، والقانون الجديد الذي يهدف إلى إعادة التوازن بين أطراف العلاقة الإيجارية، يمثل خطوة نحو حل أزمة استمرت عقودًا، ومع التطبيق التدريجي والرقابة الحكومية، يمكن تحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية تحفظ حقوق الجميع وتضمن استقرار السوق العقاري.

تم نسخ الرابط