بعد 40 عاماً من الصراع.. أرمينيا وأذربيجان توقعان اتفاق سلام برعاية ترامب

بعد أكثر من 40 عامًا من النزاع المتكرر والدموي بين الجارتين في منطقة جنوب القوقاز، وقّع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، اتفاق سلام شامل في البيت الأبيض، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، .
وأكد ترامب، خلال الاجتماع الذي جمعه بالزعيمين، أن البلدين اتفقا على وقف دائم للقتال، مضيفًا أنهما سيفتحان المجال أمام علاقات تجارية ودبلوماسية جديدة تقوم على الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية.
كما أطلق ترامب مبادرة جديدة تحت اسم "مبادرة السلام والازدهار الدوليين"، تهدف إلى دعم الحوار وتسهيل بناء الثقة بين الشعبين الأذربيجاني والأرميني، وتسهيل التواصل بينهما دون عوائق.
من الصراع الطويل إلى التفاهم
أعلنت يريفان وباكو في مارس الماضي توصلهما إلى مسودة اتفاق سلام، لكن التقدم ظل بطيئًا حتى تم التوقيع الرسمي. ويُعد هذا الاتفاق تتويجًا لمسار تفاوضي طويل بعد عقود من الحروب، كان أبرزها حربا 1988–1994 و2020، واللتان خلفتا عشرات الآلاف من الضحايا.

جذور النزاع التاريخي
يرجع الخلاف بين الطرفين إلى منطقة ناغورنو قره باغ الجبلية، التي تقع داخل الحدود المعترف بها دوليًا لأذربيجان، لكنها كانت تاريخيًا تسكنها غالبية من الأرمن وتُعرف لديهم باسم "آرتساخ".
وكانت المنطقة تتمتع بوضع الحكم الذاتي في العهد السوفيتي، قبل أن يتحول الخلاف حولها إلى صراع مسلح عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
الحرب الأولى 1988 و1994: مأساة إنسانية
اندلعت الحرب الأولى بين 1988 و1994، وأودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص، وشردت نحو مليون نسمة، معظمهم من الأذريين الذين نزحوا من قره باغ والمناطق المحيطة بها بعد سيطرة القوات الأرمنية عليها.
رغم اتفاق وقف إطلاق النار عام 1994، شهدت السنوات اللاحقة توترات متكررة، كان أخطرها اشتباكات أبريل 2016، التي أفضت إلى خسائر بشرية ومكاسب ميدانية لأذربيجان.
حرب 2020: نقطة تحول حاسمة
في سبتمبر 2020، شنت أذربيجان عملية عسكرية واسعة استمرت 44 يومًا، انتهت بتحقيق انتصار حاسم تمثل في استعادة الأراضي السبع المتنازع عليها، إضافة إلى نحو ثلث أراضي قره باغ نفسها، ما مهد لتغير جذري في ميزان القوى بالمنطقة.
وفي سبتمبر 2023، شنّت باكو هجومًا نهائيًا على ما تبقى من قره باغ، انتهى باتفاق وقف إطلاق نار وسحب القوات الأرمنية، وتبعه نزوح جماعي لما يقرب من 100 ألف أرمني إلى داخل أرمينيا.
الطريق إلى السلام
رغم المناخ السياسي المتوتر، أبدى الجانبان استعدادهما لوقف النزاع والتوصل إلى معاهدة سلام شاملة، لاسيما في ظل الضغوط الدولية وتفاقم الأزمات الإنسانية، خصوصًا بعد نزوح سكان قره باغ.
في عام 2024، بدأت أرمينيا إعادة عدد من القرى الحدودية المهجورة إلى أذربيجان، في خطوة أثارت احتجاجات في يريفان، حيث اعتبرتها المعارضة تنازلًا عن "أراضٍ تاريخية".
عقبات دستورية وجغرافية
كان أحد أبرز العوائق التي واجهت الاتفاق هو الدستور الأرميني، وتحديدًا ديباجته التي تتضمن إشارة إلى قرار توحيد أرمينيا وقره باغ عام 1989، ما اعتبرته أذربيجان مطالبة ضمنية بأراضٍ أذربيجانية.
ودعا باشينيان إلى استفتاء لتعديل الدستور، لكن الموعد لم يتم تحديده بعد، وسط استعداد البلاد لخوض انتخابات برلمانية في يونيو 2026، وممن المتوقع أن تسبقها صياغة دستور جديد.
وكذلك شكّل الممر البري الذي تطالب به أذربيجان لربط أراضيها بإقليم نخجوان، الواقع على حدود تركيا، عبر الأراضي الأرمينية، عقبة جيوسياسية أُدرجت ضمن التفاوض قبل التوصل إلى الاتفاق النهائي.
ترحيب مصري باتفاقية السلام بين أرمينيا وأذربيجان
أعربت جمهورية مصر العربية عن ترحيبها بالتوصل إلى الاتفاق، معربة عن أملها في أن يسهم في تعزيز الاستقرار والتعاون الإقليمي في منطقة القوقاز.
وأشادت مصر بجهود الوساطة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب، معتبرة أن هذه المبادرة تمثل خطوة مهمة نحو حل النزاعات بالطرق السلمية، وترسيخ مبادئ حسن الجوار والحوار البناء.
كما دعت مصر إلى توسيع هذه الجهود الدبلوماسية لتشمل مناطق أخرى من العالم، ولا سيما منطقة الشرق الأوسط، لتعزيز الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
ترسيم الحدود والاستحقاقات المقبلة
أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أن السلام مع أرمينيا بات أقرب من أي وقت مضى، في وقت بدأ فيه فريقان من البلدين عملية ترسيم الحدود المشتركة، ضمن ترتيبات ما بعد الاتفاق.
وبتوقيع اتفاق البيت الأبيض، تكون أرمينيا وأذربيجان قد طوتا صفحة دامية من تاريخهما، في انتظار أن تترجم البنود على الأرض بشكل يضمن سلامًا دائمًا وتنمية مشتركة لشعبي البلدين، بعد سنوات طويلة من الحروب والدمار.