الحشد الشعبي العراقي يستنفر خوفًا من مصير حزب الله في لبنان

تشهد الساحة العراقية تحركات متسارعة يقودها الحلفاء المحليون لطهران، بعد توجيهات إيرانية برفع مستوى التصعيد ورفض أي محاولات محلية أو دولية لحل أو تحجيم دور هيئة الحشد الشعبي، بحسب ما كشفه مصدر أمني عراقي مطلع.
وأوضح المصدر رفض الكشف عن هويته، في تصريحات صحفية، أن الرسائل الإيرانية الأخيرة دعت قادة الميليشيات المسلحة إلى الاستعداد لمواجهة محتملة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ليس بالضرورة من خلال عمل عسكري فوري، بل عبر خلق مناخ سياسي وأمني داخلي يمنع تمرير أي قرارات تستهدف بنية الحشد الشعبي.
وأشار إلى أن طهران تعتبر خطة حل حزب الله اللبناني "جرس إنذار مبكرًا"، وتخشى أن تتكرر التجربة نفسها في العراق، ما يجعل التحرك الاستباقي أمرًا حيويًا بالنسبة لها.
من المناورة إلى المواجهة؟
تثير هذه التطورات تساؤلات عن مدى انتقال إيران من مرحلة المناورة السياسية إلى المواجهة العلنية، لا سيما بعد بدء الحكومة اللبنانية مسارًا لحل حزب الله بمساندة أمريكية.
وتترافق هذه التحركات مع تصاعد الجدل داخل العراق بشأن ملف الميليشيات المسلحة، بالتزامن مع ضغوط متزايدة من واشنطن على الحكومة العراقية لتفكيك هذه الفصائل، وسط ترجيحات بأن تشهد الساحة العراقية تكرارًا للسيناريو اللبناني.
تحذيرات إيرانية ودفاع عن الحشد
وفي هذا السياق، أكد قربان علي آبادي، ممثل المرشد الأعلى الإيراني في المنطقة الوسطى، خلال خطبة الجمعة، على وجوب رفض الشعب العراقي لأي محاولة لنزع سلاح الحشد الشعبي، معتبراً أن واشنطن تسعى لتقويض القوة العسكرية للعراق، كما تفعل مع حزب الله في لبنان.
وقال آبادي: "لولا الحشد الشعبي لكان تنظيم داعش قد عاد وسيطر على العراق من جديد"، في تكرار للخطاب الإيراني الذي يروج لبقاء الحشد كضمانة أمنية وسياسية، في مواجهة ما يُعتبر تهديداً أمريكياً.
ردود فعل عراقية وتحذيرات من التهور الإيراني
من جانبه، يرى الخبير الأمني العراقي كمال الطائي أن ما يجري هو انعكاس لحالة "الارتباك الإيراني" بعد خساراتها في الساحة اللبنانية والسورية، وهو ما يدفعها اليوم إلى تصعيد نشاط ميليشياتها في العراق.
وقال الطائي في تصريحات صحفية أن الوضع في العراق يختلف كثيراً عن لبنان، من حيث التكوين الداخلي وشدة الانقسام السياسي، وكذلك بسبب أدوات الضغط الدولي الأكثر تأثيراً في بغداد".
وأضاف أن تصرف إيران بهذا الشكل يعكس تهورًا سياسيًا، ومحاولة لتعويض الخسائر عبر ورقة الميليشيات العراقية.
تتصاعد في الداخل العراقي الأصوات الرافضة للانجرار خلف الرغبة الإيرانية، مطالبة بضرورة احترام الرؤية الدولية فيما يتعلق بملف الفصائل المسلحة، محذرة من أن الإبقاء على الحشد الشعبي بشكله الحالي قد يضع الحكومة العراقية في مأزق كبير أمام الولايات المتحدة وحلفائها.
ويرى سياسيون عراقيون أن تجاهل المطالب الدولية قد يؤدي إلى فرض عقوبات قاسية، قد لا تقتصر على الميليشيات بل تمتد لتطال مؤسسات الدولة الرسمية، ما من شأنه أن يفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد.
نفوذ الميليشيات الإيرانية في العراق
ولم تعد الميليشيات العراقية مجرد أذرع عسكرية موالية لطهران، بل تحولت إلى كيانات ذات مصالح سياسية واقتصادية واسعة، حيث تملك هذه الفصائل مصادر تمويل ضخمة، وشبكات نفوذ داخل مؤسسات الدولة، فضلًا عن قواعد جماهيرية وازنة، تجعلها أكثر قدرة على الصمود في وجه الضغوط.
ورغم استعدادها للمواجهة عند الضرورة، إلا أن هذه الميليشيات تميل حاليًا إلى التريث للحفاظ على قوتها ومصالحها، وهو ما تراهن عليه إيران في الوقت الراهن.
الملف اللبناني يهيمن على المشهد العراقي
ويتابع العراقيون باهتمام مسار نزع سلاح حزب الله في لبنان، الذي أطلقته الحكومة اللبنانية بدعم مباشر من واشنطن، في المقابل تضغط الإدارة الأمريكية على بغداد لاعتماد نهج مماثل يستهدف الفصائل المسلحة، وخاصة تلك المنضوية تحت راية الحشد الشعبي.
وترى الولايات المتحدة أن السلاح غير النظامي في العراق يُشكل عائقاً أساسياً أمام الاستقرار، ويمنح طهران مساحة نفوذ تتناقض مع المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة.