ما حكم الدعاء داخل الصلاة بقضاء حاجة من حوائج الدنيا؟.. الإفتاء توضح

في ظل انشغال الإنسان بأمور دنياه وسعيه الدائم لتحقيق مطالبه واحتياجاته، يتردد سؤال بين كثير من المسلمين: هل يجوز أن يطلب العبد من ربه حوائج الدنيا وهو قائم بين يديه في الصلاة؟ وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء على إجماع أهل العلم، اعتمادًا على الأحاديث النبوية وأقوال الأئمة، أن للمصلي بعد التشهد في الصلاة حرية الدعاء بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، وأن ذلك من الأمور المستحبة، وليس من الواجبات.
فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علّمه التشهد، ثم قال في نهايته:
“ثم ليتخيَّر من الدعاء ما أحب”، وفي رواية: “ثم ليتخيَّر من الثناء ما شاء”، وأخرى: “ثم ليتخيَّر من المسألة ما أحب”، في إشارة واضحة إلى فسحة الدعاء وفتح الباب للمناجاة بحرية.
ماذا يقول العلماء؟
وقد علّق الإمام النووي على هذا الحديث في كتابه “الأذكار” مبينًا أن هذا الدعاء بعد التشهد مستحب وليس بفرض، ويُستحب أن يُطيل المسلم فيه قدر استطاعته، خصوصًا إذا لم يكن إمامًا. وأشار إلى أن للمصلي أن يدعو بما شاء من أمور الدنيا أو الآخرة، سواءً بدعوات مأثورة أو بألفاظ من اجتهاده، على أن تبقى الأدعية النبوية أولى وأفضل.
وأكد الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” على جواز الدعاء في الصلاة بما يختاره العبد من حاجات الدنيا أو الآخرة، مستندًا إلى نفس الحديث.
وفي السياق ذاته، أشار الشوكاني في “تحفة الذاكرين” إلى أن الحديث يُعطي للمصلي حرية اختيار الدعاء الذي يميل إليه قلبه، سواء كان من الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو مما يصوغه الإنسان بنفسه، ما دام لا يتضمن إثمًا أو قطيعة رحم، بل له أن يدعو بما شاء ويطيل أو يختصر بحسب حاله.
أما في السجود، فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل هذا الموضع من الصلاة للدعاء، كما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي قال:
“أمَّا السجود فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم”، أي أن السجود موضعٌ مظنونٌ فيه الإجابة.
وقد أوضح المناوي في “فيض القدير” أن الأمر بالإكثار من الدعاء في السجود يشمل جميع الحاجات، حتى ما يُظن أنه بسيط كرباط النعل، مستندًا لحديث الترمذي:
“ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله”.
وهو ما أكده أيضًا المباركفوري في شرحه “مرعاة المفاتيح”، مشيرًا إلى أن الحديث دليل واضح على جواز الدعاء في السجود بكل ما يحتاجه العبد في دينه ودنياه، سواء في طلب الخير أو الاستعاذة من الشر.
وقد تواتر هذا الفهم عن جماعة من العلماء، حتى صار كأنه إجماع عند أهل العلم، كما نقله ابن علان الصديقي في شرحه على “الأذكار النواوية”، مشيرًا إلى أن هذا القول عززه ما رُوي عن الإمام الشافعي وآخرين، وعضّده ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، حتى لم يُعرف لهم مخالف معتبر، سوى رأي شاذ لابن شبرمة، وقد رُدّ عليه بما في القرآن الكريم:
﴿وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 32].
كما ذهب المالكية أيضًا إلى جواز الدعاء بأمور الدنيا والآخرة داخل الصلاة، ما دام الدعاء منضبطًا بالآداب الشرعية