شهدت العقود الأخيرة توسعًا ملحوظًا في الأدبيات المعنية بالمرأة المسلمة، وهو ما يعكس بدرجة معينة التحولات البنيوية التي شهدتها مجتمعات المسلمين، سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا. لقد ساهمت عوامل متعددة، من بينها الحراك الحقوقي العالمي، وصعود الحركات النسوية، وازدياد مستويات التعليم والوعي، في إعادة تشكيل موقع المرأة داخل الحقول الدينية والمعرفية. في هذا السياق، لم تعد المرأة المسلمة موضوعًا للخطاب الديني فقط، بل أضحت فاعلًا منتجًا لهذا الخطاب وناقدًا له، من خلال مشاركتها في إنتاج المعرفة الدينية، وإعادة قراءة النصوص التأسيسية من منظور يراعي السياقات التاريخية والاجتماعية والتجارب المتنوعة للنساء.
برزت في هذا المجال أصوات نسائية مسلمة اتخذت من الدين إطارًا تحليليًا ومنهجيًا لإعادة التفكير في قضايا الجندر والسلطة والتمثيل، رافضة الثنائية التي وضعتها بعض القراءات الغربية بين الدين والتحرر، ومؤكدة على إمكانية استنطاق النصوص من داخل المرجعية الإسلامية لإعادة بناء العلاقة بين المرأة والإسلام، وفق مقاربة تؤمن بإمكانية التوفيق بين الالتزام الديني والوعي النسوي. كما ساهمت هذه الأدبيات في إعادة مساءلة أنماط السلطة الدينية التقليدية، وإبراز التعددية في فهم النصوص، ما أدى إلى نشوء مساحات جديدة للنقاش وإعادة التفاوض على المعاني والهويات.
يشكل مفهوم "التمكين" أحد المحاور الأساسية في الأدبيات المعاصرة حول المرأة المسلمة، حيث لا يُنظر إليه فقط كتحرر من البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المقيدة، بل باعتباره عملية مركبة تُستعاد فيها الذات من خلال التفكير والإدراك والتنظيم الذاتي. وبحسب ألبرت باندورا، فإن امتلاك المرأة القدرة على تقييم الواقع وتصوره، واتخاذ إجراءات تصحيحية في ضوء التحديات البيئية والمعرفية، هو جوهر مفهوم الوكالة.
في هذا السياق، يمثل الدين أحد المصادر المركزية للتمكين. فالمعرفة الدينية لا تكتفي بتحديد الأدوار والهويات، بل تمنح المرأة إمكانية إعادة تأويل هذه الأدوار، والدفاع عن حقوقها من داخل المنظومة الدينية ذاتها. هذا ما جعل العديد من الباحثات في الحقل النسائي الإسلامي يؤكدن على أهمية استرداد أدوات الاجتهاد، وفهم مقاصد الشريعة، كمدخل لتحرير المرأة من القراءة الذكورية للنصوص. وعليه، تصبح الوكالة النسوية لا تعني القطيعة مع الدين، بل الانخراط الواعي فيه من أجل إعادة صياغة الذات والعالم.
من أبرز التحديات التي واجهت الأدبيات حول المرأة المسلمة هي كيفية التعامل مع الإرث الاستعماري، والتمثلات الغربية التي ربطت بين الإسلام والتخلف، وبين الحجاب والاضطهاد. لقد كانت المرأة المسلمة موضوعًا للخطاب الاستشراقي، وذريعة للتدخل السياسي والثقافي في المجتمعات الإسلامية. وفي المقابل، استثمرت الأنظمة المحلية هذا الخطاب من أجل التحكم في الجسد الأنثوي، وجعله موقعًا للصراع بين الأصالة والمعاصرة.
ومع بروز أدبيات ما بعد الاستعمار، ظهرت مقاربات جديدة تسعى إلى مساءلة هذا التراث النقدي الغربي، وتفكيك علاقات القوة الكامنة فيه. كما سعت أدبيات "التقاطعية" إلى إبراز تعقيد الهوية النسائية المسلمة، وعدم إمكانية اختزالها في بعد واحد كالدين أو الجندر أو الطبقة. فالتجربة النسوية المسلمة تتقاطع فيها اعتبارات عرقية وثقافية وسياسية، ما يتطلب مقاربة أكثر شمولًا تعترف بالتعدد والاختلاف داخل الهوية الإسلامية.
تشكل النساء المسلمات اليوم فضاء معرفيًا ونضاليًا يسعى إلى التوفيق بين الإيمان الديني والنقد الاجتماعي، وبين المرجعية الإسلامية والمكتسبات الإنسانية. غير أن هذا المشروع لا يخلو من التحديات، خاصة في ما يتعلق بسؤال العالمية والمحلية، وحدود التفاعل مع المدارس النسوية الغربية.
من جهة، تسعى النساء المسلمات إلى تأكيد استقلالية مشروعهن الفكري، الذي ينبني على تأويل النصوص من الداخل، واستثمار المفاهيم الإسلامية مثل العدل، والرحمة، والمساواة، من أجل بناء تصور بديل للعلاقات الجندرية. ومن جهة أخرى، يدركن أهمية الانخراط في النقاشات العالمية حول حقوق النساء، دون السقوط في الاستلاب أو الانعزال. في هذا السياق، تبدو الحاجة ماسة إلى تطوير منهجية نقدية مزدوجة، تتوجه إلى الداخل الإسلامي بالنقد البناء، وإلى الخارج الغربي بالتفكيك والمساءلة.
هكذا، تمثل النساء المسلمات اليوم جسرًا معرفيًا وأخلاقيًا بين عوالم متعددة، وفضاءً لإعادة بناء العلاقة بين الدين، والهوية، والتحرر، في عالم يعاد فيه طرح الأسئلة الكبرى حول المعنى والعدالة والكرامة.